فكلما أغار مغير على قسم من أقسام البلاد اليونانية وفر أمامه أهل هذا القسم، لجأت طائفة منه قليلة أو كثيرة إلى هذا الإقليم، فأوت إليه، وتحصنت فيه، وعاشت به آمنة مطمئنة.
كذلك لجأ إلى أتيكا عدد ضخم من قبائل بيوتيا حين أغار عليها التساليون.
وكذلك نزح إليها جمهور عظيم من أهل بلوبونسوس الشرقية والغربية حين احتلها الدوريون والأيئوليون.
ومما لا شك فيه أن طوائف غير قليلة من الذين كانوا يسكنون الشاطئ الآسيوي لبحر إيجيا، قد هاجروا إلى أتيكا في عصور مختلفة لم يحفظها التاريخ، عبروا البحر شيئا فشيئا متمهلين غير متعجلين، لمكان الجزر المنبثة بين الشاطئين الأوروبي والآسيوي، فكانوا كلما مروا بجزيرة نزلوها، واتخذوها مقاما. ثم نزح بعضهم، وبقي الآخرون. وتدل الآثار التي استكشفت حديثا، على أن هذا القسم، من بلاد اليونان الوسطى، قد عرف حضارة الأكويين في أرجوس ومسينا والمينيين في أوركومنيوس.
مهما يكن من شيء فقد كان أهل أتيكا يمثلون جميع الشعوب اليونانية حاشا الدوريين الذين كانوا من قوة الشخصية وتماسك الجنسية، بحيث لم يكن من الميسور لهم أن يندمجوا في غيرهم من الشعوب، ولم يكن من السهل على غيرهم من الأمم أن تهضمهم، فتمحو مميزاتهم وخصائصهم وتقطع ما بينهم وبين جنسيتهم الأولى من صلة أو سبب.
كانت هذه الشعوب المختلفة حين تفد على أتيكا مضطرة إلى شيء من الجهاد لتجد لها في هذا الإقليم الضيق منزلا تنزله، ومأمنا تستقر فيه. فإذا وصلت من ذلك إلى ما تريد، فهي مضطرة إلى الجهد والجد، وإلى العناء والكد، لتستخرج عيشها من هذه الأرض غير الغنية ولا الميسورة الاستثمار.
ومن هنا كان هذا الإقليم أشد الأقاليم اليونانية حثا لسكانه على العمل وحملا لهم على الدأب فيه، والاستمرار عليه.
لم تكن أرضه لتجود بما فيها حتى يطلبه السكان فيلحوا في طلبه، فإذا جادت لم تجد بأكثر مما يقيم الأود، ويوشك أن يسد الحاجة، ويكفي المسألة.
2
اختلاف أجناس السكان وتباين شعوبهم وافتراق منازلهم الأولى، كان سببا في أن كل شعب من هذه الشعوب قد وفد على أتيكا وله من الصفات والمزايا ما ليس لغيره.
صفحة غير معروفة