ثانيا: مفهوم الصحبة في العرف
مفهوم الصحبة في العرف -وهو ما تعارف الناس عليه- أضيق وأكثر تحديدا من المفهوم اللغوي الواسع للصحبة.
ولو توجهنا لأي فرد من العوام - فضلا عن الخاصة- وسألناه: من هم أصحابك؟
فلن يسمي لنا كل من لقيه أو رآه ولكن سيذكر لنا بعض الناس ممن يختص بمخالطته وصداقته ونحو ذلك، إذن فهذا هو المفهوم (العرفي) للصحبة، فإذا كانت اللغة تجيز اشتقاق اسم الفاعل (عادل ) من الفعل (عدل) فإن العرف لا يطلق كلمة (عادل) إلا على من غلب عليه العدل على أقل تقدير فالعرف يضيق ما قد توسعه اللغة أو تحتمله.
ولعل أكثر الأصوليين (الفقهاء) في تعريفهم للصحابي والصحبة قد راعوا الجانب العرفي في تحديد هذا المفهوم بعكس كثير من أهل الحديث الذين توسعوا في المصطلح استئناسا باللغة؛ ولسبب آخر وهو أن وظيفتهم في نقل الأحاديث والأخبار - من اتصال الأسانيد- شجعت اختيارهم لهذا المذهب في تعريف الصحابي.
وعلى هذا فلا يجوز عرفا أن تقول: (فلان صاحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم) أو فلان (من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم) إلا إذا كان ذلك الصاحب معروفا بملازمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومخالطته مدة يصح بها هذا الإطلاق.
والعرف لا يعتبر الصحبة المجردة عن الملازمة والمخالطة.
وبما أن العرف يقضي على اللغة (أي يحكم عليها) فإن حجة أهل الحديث تكون أضعف من حجة الأصوليين.
وقد ذكر الحافظ ابن تيمية (728ه): (أن القياس في مذهب أحمد بن حنبل وأصوله أن ما لم يقدره الشارع (القرآن الكريم أو السنة) فإنه يرجع فيه إلى العرف).
والألفاظ التي يستخدمها المسلمون منها ما حدده العرف كالبيع والنكاح ومنها ما حددته اللغة كالشمس والقمر ومنها ما حدده الشرع كالصلاة والزكاة والإيمان... إلخ.
والعرف المعتبر هو ما اتفق مع النصوص وليس ما صادمها.
صفحة ٢٠