كانت التطورات في الهند أيضا جزءا من الصورة العالمية الأوسع نطاقا، التي شهدت كذلك نشر فكرة «الطريقة المحمدية» في شمال أفريقيا على يد أشخاص مثل أحمد التيجاني (المتوفى عام 1815) بعد بضعة عقود، لكن بدلا من أن تكون هذه الصوفية ظاهرة جديدة في القرن الثامن عشر، أو «صوفية جديدة» مميزة كما أطلق عليها بعض العلماء، فإن التركيز على النبي محمد والسنة النبوية كان ذروة صحوة التجديد العامة، التي ظهرت في القرن السابق.
149
وتظهر الأمور المرتبطة بحملة التصحيح الأوسع نطاقا هذه في حقيقة أن مصطلح «الطريقة المحمدية» نفسه استخدم لأول مرة على يد العالم العثماني محمد البركلي (المتوفى عام 1573) في كتابه «الطريقة المحمدية والسيرة الأحمدية»، الذي ألهم أيضا جماعة قاضي زاده بسبب هجومه على تبجيل الناس للأضرحة، وحثه على التمسك بالسنة النبوية .
150
وعلى الرغم من ذلك، فإن هذه الأنماط المنتشرة في عدة مناطق ظهرت فقط من خلال استحسان رسالتها في سياقات محلية محددة. ومثلما دعم الانتشار الواسع للأفكار والمؤسسات الصوفية مجموعة من الممارسات أزعجت الدولة العثمانية المحافظة شرعيا، فإنه بالمثل في الهند أدى التكيف المحلي للصوفية لتتناسب مع الأنماط الأوسع نطاقا للحياة الاجتماعية، وحتى الترفيه، إلى وضع أصبحت الأضرحة الصوفية تستضيف فيه عروضا لشعر الغزل الصوفي، تقدمها مغنيات عاهرات من الطبقة الدنيا، عرفن باسم «الطوائف» (أي الغجر). ويحفظ كتاب «مرقعة دهلي» - الذي يتناول الفترة قرابة عام 1750 - أوصافا لثقافة أضرحة أصبحت فيها الخدمات الثقافية للصوفية لا تنفصل عن مكان مشبوه يقدم حفلات موسيقية في وقت متأخر من الليل، بالإضافة إلى أوصاف للأفعال الطائشة الممتعة لعاصمة إمبراطورية في مرحلة الأفول.
151
ولهذا السبب، من المهم عدم تضخيم تأثير العلماء الصوفيين، خاصة على الصعيد المحلي للصوفية، الذي استمر في التطور في الهند طوال هذه الفترة. وفي البيئات الريفية في السند والبنجاب تضمنت أشعار شاه عبد اللطيف (المتوفى عام 1752)، وبلهي شاه (المتوفى عام 1757)، الكثير من التعليقات الساخرة من العلماء المسلمين. وقد غنى شاه عبد اللطيف ساخرا من دارسي الكتب الكلاسيكية في الشريعة والنحو، فقال:
إذا قرأت كنز الدقائق، ومختصر القدوري، والكافية، وفهمتها كلها، فحالك يشبه نملة عرجاء سقطت في حفرة وأخذت تنظر إلى السماء.
152 (15) جنوب شرق آسيا: التجديد في دول الملايو
عندما نلتفت إلى الوضع في جنوب شرق آسيا في القرن السابع عشر والقرن الثامن عشر، سنجد الكثير من الأمور المشتركة مع صورة الصوفية الفقهية الهندية هذه، التي انتشرت أيضا في البلاط الملكي لحكام الملايو. لقد رأينا من قبل حمزة الفنصوري ينشر أفكار ابن عربي باللغة الملايوية في بلاط آتشيه عند الطرف الغربي للأرخبيل الإندونيسي. وفي القرن السابع عشر، تقلد تلميذه شمس الدين السومطراني (المتوفى عام 1630)، الذي كان من باساي في شمال سومطرة، منصب «شيخ الإسلام» (مما جعله في المكانة التالية مباشرة للسلطان) في بلاط السلطان علاء الدين رعاية شاه (الذي حكم من عام 1588 إلى عام 1604)، وعمل كالشيخ الصوفي للسلطان إسكندر مودا (الذي حكم من عام 1607 إلى عام 1636)، الذي صحبه عادة في كل المناسبات التي تخص الدولة.
صفحة غير معروفة