144
وعلى غرار الخلافات المشابهة بين العثمانيين، فإنه يجب فهم انتقاد السرهندي للهندوس في ضوء سياق كان يمنح فيه العديد من المناصب الرئيسية، في البيروقراطية التي اعتبرها السرهندي إمبراطورية إسلامية، للهندوس بدلا من المسلمين. وعلى الرغم من كل مزاعم السرهندي الكبيرة بأنه «مجدد العصر»، فإنه لم يتوان عن إرسال خطابات يطلب فيها رواتب ومناصب حكومية لأتباعه. وعلى الرغم من انتقادات السرهندي للصوفيين الذين عجزوا عن اتباع الشريعة، فقد كان على الرغم من ذلك مؤمنا بفكرة أن الصوفية تقليد يربط المسلمين بتعاليم النبي محمد؛ مما يعكس اتجاهات أوسع نطاقا في أجزاء أخرى من العالم الإسلامي؛ ومن ثم، فإن رسالة تجديد الألفية الجديدة خاصته لم تكن طريقة نقشبندية خاصة ضيقة النطاق، بل كانت جزءا من حملة تصحيح أوسع نطاقا، تشاركها مع معاصريه في أماكن أخرى.
ونظرا لأن البيروقراطية المغولية لم تكن مطلقا على القدر نفسه من المركزية أو «الإسلامية» مثل البيروقراطية الدينية العثمانية، فإن المهارات العملية المتمثلة في إجادة القراءة والكتابة والتشريع، التي امتلكها كثير من الصوفيين، مكنتهم من الالتحاق ببيروقراطية الإمبراطورية المغولية التي كانت - مثل نظيرتها العثمانية - تفضل بطبيعتها صوفية مستقرة ومتوقعة، تقدم الشريعة على الوحي. وعندما انهارت الإمبراطورية المغولية أثناء القرن الثامن عشر، أصبحت هذه المهارات الفقهية أكثر أهمية، والسبب في ذلك يعود جزئيا إلى أن تضاؤل دور الدولة كمصدر للنظام الاجتماعي أبرز أهمية مصادر السيطرة الاجتماعية المنبثقة عن الدولة. وإلى حد ما، كان السبب في ذلك هو تفسير انهيار الإمبراطورية التي تسيطر عليها نخبة مسلمة على أنه عقاب إلهي على انحلال أخلاق المسلمين، إلا أنه عندما صور المسلمون على أنهم ضالون، كانت الطريقة الصوفية لا تزال ترى على أنها تمثل الحل، لكنها الصوفية في صورتها الملتزمة بالشريعة، التي روجها ورثة السرهندي وعبد الحق الدهلوي، وورثتهم. ونظرا لأن القرن الثامن عشر شهد نهب العاصمة الإمبراطورية القديمة على يد مجموعة من الغزاة الهندوس والمسلمين، فإن الصوفيين البارزين أمثال شاه ولي الله الدهلوي (المتوفى عام 1763)، وميرزا مظهر جان جانان (المتوفى عام 1781) من أتباع طريقة النقشبندية في دلهي، والجشتي البنجابي نور محمد مهاروي (المتوفى عام 1791)؛ استمروا في دفع الانتقادات الفقهية التي ظهرت في القرن السابع عشر، خاصة من خلال تأسيس مدارس من أجل نشر تعاليمهم.
145
كان تفضيل هؤلاء الصوفيين الإحيائيين في القرن الثامن عشر لتأسيس المدارس على الخانقاوات، وكذلك الأسس الفقهية لتعاليمهم، دالا على تمسكهم بجذورهم في القرن السابق. كان شاه ولي الله الدهلوي مهتما بصفة خاصة بالبدع، وعلى مدار عصر تعرضت فيه دلهي على نحو متكرر للتدمير على يد الغزاة، تزايد انتقاده الصارم لتبجيل الناس للأضرحة الصوفية،
146
ولم يعتبر ذلك رفضا للتقليد الصوفي؛ لأن الدهلوي كان مدركا تماما لمنصبه كوريث لسلالة من الشيوخ الصوفيين السابقين،
147
بل تمثل الأمر في كونه جزءا من النسق الأوسع نطاقا الذي شهدناه، والذي أثار فيه تنوع الممارسات الصوفية الكبير المشكلة المنطقية المتمثلة في عدم إمكانية كون كل هذه الممارسات على القدر نفسه من المشروعية. كان الدهلوي يرى أيضا أن الشريعة هي الأساس الأكيد الذي يميز التقليد المشروع عن الإضافات غير المبررة. والمنطق نفسه كان موجودا في دلهي في حلقات خواجه محمد ناصر عندليب (المتوفى عام 1759) وابنه مير درد (المتوفى عام 1785)، الذي سعى بالمثل، عند تأسيس شكل من الصوفية أشاروا إليه ب «الطريقة المحمدية»، إلى إعادة توجيه الممارسات الصوفية؛ بحيث تتناغم مع سلطة وسنة النبي محمد. وعلى غرار التركيز المتزايد على دراسة الحديث، تزايد دور النبي نفسه في الممارسة الروحانية؛ إذ أصبح المريد يسعى إلى الفناء فيه قبل الوصول إلى الله.
148
صفحة غير معروفة