وهذا معروف لصناعتهم وكلامهم فبقدر ما يعطون السامعين فيرون أنه قد وجبت المسألة من تأليف الكلام، وبقدر ذلك يدخل الغلط على المجيب فيما يحتاج إليه من الجواب. من أجل ذلك وجب ألا تكون المقاييس الكاذبة إلا: إما لكل هذه، وإما لبعضها، لأن من لم يسأل يظن أنه قد سأل، والمسئول يظن أنه قد أعطى الجواب وهو بعد لم يعط. إلا أنه قد يعرض لبعضهم اجتماع هذين: مضاعف المسألة وإظهار الكذب فيها. وإنما يكون ذلك إما لبعض كلمة، وإما لعجومة السائل. فلما كانت المضلات من النقائض لا تكون إلا من تخيل أو تهجين فى الكلام، استبان أن غلط المسئول وظنه قد أجاب ولم يجب لم يكن إلا لما تخيل له من التهجين والتبكيت فى الكلام. والتهجين فى الكلام لا يكون إلا لنقص أجزاء الكلام الصدق، وذلك أن كل كلام ناقص يتخيل أنه تبكيت وتهجين كالذى يجعل المسئلتين مسئلة واحدة، فإن ذلك لا يكون إلا من نقص مقدمة، وكالذى يدخل العرض مكان الذاتى، وذلك لنقص جزء من الكلام وبأن ألحق الكلام الكل مكان الجزء، وأيضا أن يظن أن العرض إنما عرض لكلام المبين عن الشىء لا لنفس الشىء، وأرى أن القول الناقض فى الكل مشاعا بحال واحدة وأنه موجود إما فى شىء منها، وإما فى كل واحد منها، وأيضا من الاعتداد بالموجود فى ابتداء المسألة وتصيره منها، فقد استبان من كم تكون المضلات وأنها لا تكون من الأشياء أكثر من هذه، بل إنها تكون من الأنواع التى قيلت.
فتبكيت السوفسطائيين والتهجين من كلامهم ليس بتهجين مشاع يعم الكثير، بل إنما يلاقى به واحد؛ وكذلك قياسهم. غير ما لم يأخذ شيئا مفردا لدلالة خارجا من اشتراك الأسماء أو يأخذوا شيئا واحدا مشارا إليه غير مشابه بشكل غيره وكان سائر كلامهم كذلك، لم يفعلوا تبكيتا ولا قياسا لا مشاعا ولا مفردا عدد الواحد المسئول. وإن هم جعلوا كلامهم كليا جاز أن يكون قياسمهم وتبكيتهم موافقا للواحد المسئول، لا للكثير، لأنهم يأخذون شيئا دلالته مفردة بالتخيل لا بالحقيقة.
[chapter 9: 9] 〈استحالة معرفة كل التضليلات〉
فأما سائر وجوه التبكيت والتهجين فى الكلام فليس ينبغى لنا أن نتعاطى معرفتها قبل العلم بجميع الأشياء، وذلك لا يكون لصناعة واحدة.
صفحة ٨٢٢