البحيرتان المعروفتان الآن باسم فيكتوريا نيانزا وألبرت نيانزا قد كان لجغرافيي العرب فضل السبق بمعرفتهما وبوصفهما. وهذا ابن فضل الله العمري آخر من كتب عنهما، فقد ألمح إليهما في سنة 745ه (1236م) في كتابه الممتع الحافل الموسوم ب (مسالك الأبصار في ممالك الأمصار)، وذكر عنهما ما أيده بعده بخمسة قرون ونصف قرن رواد الإفرنج الذين وصلوا إليهما بفضل مصر وبمال مصر ورجال مصر. وهذا كلامه عنهما بالحرف الواحد: «إن النيل ينصب عشرة أنهار من جبل القمر المتقدم الذكر. كل خمسة أنهار شعبة. ثم تتبحر تلك العشرة الأنهار كل خمسة أنهار تتبحر بحيرة بذاتها. ثم يخرج من البحيرة الشرقية منها بحر لطيف يأخذ شرقا على جبل قاقولي ويمتد إلى مدن هناك ثم يصب في البحر الهندي. ثم يخرج من تينك البحيرتين ستة أنهار من كل بحيرة ثلاثة أنهار. ثم تجتمع تلك الستة الأنهار في بحيرة متشعبة.» ثم أفادنا أن هذه البحيرة تسمى عند بعضهم «البطيحة» وأن فيها تضريسة جبل يفرق بها الماء نصفين.
النيل عند خزان سنار.
خزان سنار «مكوار».
هذا وقد عرفنا نقلا عما حدثه به أقضى القضاة شرف الدين أبو الروح عيسى الزواوي أن الأمير أبا دبوس بن أبي العلى أبي دبوس «ووالده آخر سلاطين بر السعدوة من بني عبد المؤمن» حدثه أنه وصل إلى هذه البطيحة في أيام هربه من بني عبد الحق ملوك بني مرين القائمين الآن «أي في عهد المؤلف سنة 745ه.
وروى لنا أيضا أن الشيخ الثبت سعيد الدكالي - وهو ممن أقام بمالي خمسا وثلاثين سنة مضطربا في بلادها مجتمعا بأهلها) حدثه بما نصه:
والمستفيض بلاد السودان أن النيل في أصله ينحدر من جبال سودتبان على بعد كأن عليها الغمام. ثم يتفرق نهرين يصب أحدهما في البحر المحيط إلى جهة بحر الظلمة الجنوبي «يشير إلى نهر النيجر المعروف عند العرب بنيل السودان، والآخر يصل إلى مصر حتى يصب في البحر الشامي.
وروى ابن فضل الله العمري عن ذلك الشيخ قوله أيضا:
ولقد توغلت في أسفاري في الجنوب مع النيل فرأيته متفرقا على سبعة أنهر تدخل في صحراء منقطعة، ثم تجتمع تلك الأنهر السبعة وتخرج من تلك الصحراء نهرا واحدا مجتمعا. كلا الرؤيتين في بلاد السودان. ولم أره لما اجتمع بالصحراء؛ لأننا لم ندخلها إذ لم يكن بنا حاجة إلى الدخول إليها.
هذا وقد كان للملك الصالح نجم الدين الأيوبي ولع بمعرفة منابع النيل، فلما وصل إليه ما حاوله السلف دون أن يظفروا بفائدة أراد أن يذلل العقبات التي تحول دون تلك الغاية، فاشترى عبيدا صغارا من الزنوج ومن شاكلهم واختارهم من الحلب الذين لم يستعربوا، ثم سلمهم لصيادي السمك والبحارة ليعلموهم صنعة البحر وصيد السمك، ورسم بأن يكون قوتهم من السمك لا غير، وقرر أنهم متى مهروا في ذلك تصنع لهم مراكب ليركبوا فيها ويأتوه بخبر النيل. ذكر ذلك صاحب مطالع البدور ومنازل السرور المطبوع في القاهرة «صحيفة 74 و75 من الجزء الثاني».
والظاهر أن هذا المشروع لم يتم نظرا للاضطرابات التي وقعت في مصر في ذلك الوقت أولا بسبب هجوم الصليبيين تحت قيادة لويس التاسع ملك فرنسا المعروف بالقديس لويس، والذي يسميه مؤرخو مصر (ريدافرنس
صفحة غير معروفة