يقول الإنكليز إن رقابة النهرين
1
مضمونة لمصر، وبأن مياه السودان في قبضة الحكومة المصرية، ويقدمون البرهان على ذلك بقولهم: «إن الحكومة المصرية أسرعت بعد فتح السودان إلى معرفة حالة النهرين - النيل الأبيض والنيل الأزرق - وأشار السير ويليان غارستن في وضع مسائل الري بين يدي الحكومة المصرية، وأن لا يصرح لحكومة السودان بأن تعمل عملا ذا علاقة بمياه النيلين إلا بتصريح كتابي من حكومة مصر. فقبلت حكومة السودان هذا الشرط ولا تزال مقيمة عليه إلى الآن.» «وفي نوفمبر 1914 صادق مجلس النظار على إنشاء فرع للري في السودان وهو موجود إلى الآن، وله سلطة تامة في مراقبة مياه النيلين، وفي مارس 1922 كتب أحد كبار رجال الري في وزارة الأشغال أثناء قيامه بأعمال وزيرها إلى الوكالة الإنكليزية وهي وسيطة بين الحكومتين المصرية والسودانية في أمر المياه يقول: «إن وزارة الأشغال ترغب في مساعدة حكومة السودان في تذليل الصعاب القائمة في سبيل مشروع الري هناك، ولا تسمح مطلقا بتدخل أي سلطة كانت في رقابة المياه اللازمة لمصر أو في أمر المشروعات المنوي إنشاؤها لفائدة هذه البلاد كما جرت العادة منذ فتح السودان إلى الآن.» «إن وزارة الأشغال لا تزال تشدد في الرقابة على مياه النيلين كما فعلت في الماضي فسمحت بعد إتمام خزان أسوان بري 10 آلاف فدان ريا دائما، ثم رفعت هذا المقدار إلى عشرين ألف فدان بعد تعلية ذلك الخزان، وكذلك كان في مشروع ري الجزيرة الذي يقصد منه ري 300 ألف فدان فإن حكومة السودان لم تقدم عليه إلا بعد موافقة الحكومة المصرية، وللحكومة المصرية مهندسون يراقبون المشروع المذكور وهم مسئولون أمامها، ويتناولون رواتبهم منها، وينفق على المشروع من القرض الذي عقدته حكومة السودان بإنكلترا، ولحكومة مصر تفتيش لعموم الري، وستزاد ميزانية هذا الفرع عشرة آلف جنيه ينفق معظمها على توسيع مجرى النيل وإزالة السدود.» •••
ذلك ما توخوا نشره ظانين أنهم به يغطون الحقائق، بل ظانين أنهم به يقابلون صيحة الشعب المصري «السودان لنا» إذ يدخلون على ذهن هذا الشعب أن النيل في قبضة مصر وأن مياهه تجري بإرادة مصر. فتقول مصر ويقول الشعب المصري: إن مسألة السودان منحلة. بل يظنون أنهم يقولون معهم: «كل شيء جار على أتم حال، وليس في الإمكان أحسن مما كان.»
ولكنا نتساءل هنا ما هو المقصود بقولهم: «إن وزارة الأشغال هي التي قررت ما قررت في سنة 1914؟» فهل يستطيع الذين نشروا تلك المذكرة الشبه الرسمية أن يسموا لنا مهندسا مصريا واحدا ذا إلمام صحيح بما جرى وما يجري بمياه النيل وبالسودان؟
هل في هذه البلاد مهندس مصري واحد يعرف ما تضمنته التقارير السرية التي كتبتها البعثات التي أرسلت إلى أعالي النيل متوالية متتابعة سنة بعد أخرى؟ وهل ظهر شيء في مصر أو وصل شيء إلى علم مصري واحد عن المباحث في بحيرة تسانا، وعن المشروعات المنوية فيها؟ وهل يعرف مصري واحد ما أنفق من الأموال ووزع من الهدايا على رؤساء الأحباش في تلك المنطقة وكلها من أموال مصر والمصريين؟
إنا لنذكر ولا ننسى ذلك المنشور الذي أذاعوه «بأن مصلحة ري السودان تخاطب مباشرة وكيل وزارة الأشغال الإنكليزي الذي يستخدم سكرتيرا إنكليزيا فلا تمر أوراق السودان بديوان الإدارة المصرية»! أما كفانا دليلا على حقيقة الواقع ما قاله المستر توتنهام لبعض الصحافيين بعد عودته من أعالي النيل أنه اتفق مع ولاة الأمر في الأوغندا على أن يسمحوا بأخذ الأرصاد على بحيرة ألبرت لمعرفة مناسيب المياه التي تهم مصر؟
أهذا ما يعتبرونه الرقابة على مياه النهرين الكبيرين؟ إنا لا ننسى أعمالهم، ولا يمكنا أن ننسى أن الوزارة العدلية أمرت بإيقاف البناء في القناطر الكبيرة في السودان إلى أن تتم المفاوضة بين مصر وإنكلترا، فلم يحترم حاكم السودان هذا القرار، وبينما كان الوفد الرسمي يفاوض اللورد كرزن ووزير الأشغال المصرية إلى جانبه أرسل ذلك الحاكم تلغرافا بإهمال قرار الحكومة المصرية وبمواصلة العمل في خزان مكوار الذي أوشك أن ينتهي.
فهل هذه هو احترام رأي الحكومة المصرية في مياه النيل؟ •••
على أن اللسان مهما ضبط وعقل فهو ينم عن الأفكار وما تكن الصدور، فقد نمت ألسنتهم عليهم وعما يضمرون بقولهم «في مارس 1922 كتب وزير الأشغال إلى سلطة كبرى - يريدون الوكالة البريطانية - بأن وزارة الأشغال ترغب في مساعدة حكومة السودان في تذليل العقبات القائمة في سبيل مشروع الري هناك ... إلخ» فنحن نعرف أن وزارة الأشغال صرحت بري 20 ألف فدان كما قالوا، ولكنه لم يزرع من هذه المساحة حتى الآن سوى 12 ألف فدان فماذا تكتب وزارة الأشغال يا ترى عندما تكون حكومة السودان قد زرعت 300 ألف فدان، وهي المساحة التي يهتمون الآن بإنجاز الشطر الأول من ترعها؟؟ إن كل ما تعرفه وزارة الأشغال أنها سمحت بري 20 ألف فدان فقط فمن سمح بري 300 ألف فدان وهم ينوون الزيادة الآن.
صفحة غير معروفة