وهذه كلمة اللورد كرزون ألقاها في مجلس اللوردات في شهر ديسمبر 1919 أجمل فيها الكلام عن الخطة التي تتبعها الحكومة الإنكليزية في مصر، حتى إذا ما وصل إلى السودان قال:
ولا أرى بدا من الإشارة إلى الصورة المشجعة والمضادة لهذه الصورة (يعني صورة مصر) وهي صورة السودان، فإن أهل تلك البلاد لا يزالون محافظين على النظام التام بحسن إدارة السر لي ستاك حاكمها العام، وقد قدموا برهانا واضحا على ولائهم لبريطانيا العظمى بزيارة وفد من أعيانهم لهذه البلاد في يوليو الماضي، فاستقبلهم جلالة الملك، فأعربوا له أولا ولي ثانيا عن حسن تقديرهم للعمل الذي قامت به بريطانيا العظمى لإحياء بلادهم وتنصلهم من الحوادث التي جرت في مصر، وقالوا: إن همهم الوحيد هو أن يبقوا في الإمبراطورية ولا يفصلوا عنها، وهذا الدليل السار على الولاء سببه جله أو كله العمل العجيب الذي تم على يد السر رجنلد ونجت الحاكم العام السابق؛ فإنه وقف مقدرته العالية سنين كثيرة مع زيادة خير السودان وعلى وضع أساس حكومة جاءت الأيام مصدقة لطرائق الحكم البريطاني فيها كل التصديق ا.ه. (1) وثائق رسمية بشأن السودان (1-1) مذكرة الوفد المصري
لما كان الوفد المصري في باريز وجه إلى إنكلترا وإلى الدول مذكرة بشأن السودان، وضرورة إرجاعه إلى أمه مصر، هذا نصها:
إذا كان المصريون يطلبون إرجاع السودان إليهم فليسوا مدفوعين لذلك بحب التوسع والاستعمار، وإنما هم يطلبونه باسم الحق واحتفاظا بكيانهم الوطني.
لقد كان السودان منذ الأزمنة الغابرة جزءا متمما لمصر.
وإذا كان قد فصل عنها في وقت من الأوقات فإن مصر وهي مستقلة استقلالا إداريا جعلت في مقدمة واجباتها وأعمالها إعادته إلى حظيرة الوطن الأكبر.
على أن المسألة ليست مسألة قانون أو مسألة تاريخية فقط؛ بل إن مصالح مصر والسودان مرتبطة بحكم الطبيعة ارتباطا يجعل كلا من البلدين متمما للآخر، وكلا منهما في حاجة إلى الثاني؛ ليستطيع الحياة والتقدم والرقي، فإذا تسلطت دولة أجنبية على السودان كانت مصر التي لا تعيش إلا من النيل عرضة لأفدح الأخطار.
ولقد أشار إلى ذلك المستشار المالي الإنجليزي لدى الحكومة المصرية في تقريره الصادر يوم 14 ديسمبر سنة 1914 بقوله: «إن الأرض التي يرويها النيل من جبال الحبشة والبحيرات الكبرى إلى شاطئ البحر الأبيض المتوسط مهما كان الاسم الذي يطلق عليها هي كل لا يقبل التجزئة ... ونظرا لتقدم فن الهندسة ذلك التقدم الذي بلغ الأوج فإن الدولة التي تبسط حكمها على منطقة أعالي النيل تملك مراقبة المياه في مصر، وعلى ذلك فالسودان ضروري لمصر؛ بل هو ألزم لها من مدينة الإسكندرية.
على أن أهالي السودان من جهة أخرى ينتفعون كثيرا من اتصالهم بالمدينة المصرية التي لا يوافقهم سواها، فهم يعتبرون مصر بمثابة أختهم الكبرى التي يتكلمون لغتها ويرتاحون لنظاماتها وأخلاقها.
وهذا الميل المتبادل، وذلك الاتحاد في الأخلاق والأفكار، هما نتيجة طبيعية لذلك الحادث التاريخي، وهو أن العرب الذين جاءوا إلى مصر والعرب الذين توزعوا وانتشروا في السودان يرجعون لأصل واحد، ولا يخفى أن سلالة هؤلاء هم اليوم الأعظم شأنا والأكثر استنارة بين سكان السودان.
صفحة غير معروفة