إلى الناس إذ ليست عليهم بسرمد
أعرف رجلا عاش فقيرا وكان أسعد الناس، يحمل حملة حطب لم تحمل أعظم منها امرأة أبي لهب، ولما رزق مالا استراح واسترخى وترهل وجاء الموت، وقد سئل أي الحياتين هي أحب إليه، فأجاب: لولا هاتيك ما شعرت بلذة هذه.
فالعالم الأفضل الذي يصبو إليه الإنسان ويحلم به لن يكون إلا هذا العالم، فكل راحة نكسبها نجد متاعبها منها وفيها، وهيهات أن نجد عالما بلا شرور ودواهي، ولا إخالني أكفر إذا قلت: «إنه لا بد من الشر لأنه من مقومات الحياة.» تصور إنسانا لا يطمح ولا ينافس، ويرضى بالحالة التي هو فيها، فأي تقدم يدرك؟ وماذا تجني الإنسانية من وجوده؟!
اخترع الله سفينة لنوح ليحفظ الجنس البشري من الفناء، وها هو الإنسان الذي حفظه الله يخترع المدرعات والنسافات والغواصات والطائرات والحاملات، وأخيرا القنبلة الذرية فالهيدروجينية ليقتل ويدمر، ومع ذلك ما زال الناس يعيشون كما كانوا يعيشون في عهد الكبش والمنجنيق.
وما أرى الشقاء في الحياة إلا كالسموم التي هي في دمائنا، لا بد لنا من كمية منها وإلا فلا تصلح دماؤنا، إن القليل من السم دواء أما كثيره فيقتل، ولا شك في أن عالم اليوم خير من عالم الأمس، كما أن عالم الغد سيكون خيرا من عالمنا شكلا، وأما الجوهر فواحد. لا بد للإنسان من الشقاء ليدرك لذة الحياة، فاللذة تصبح شقاء والإنسان يسأم ويضجر.
وخير ما أختم به مقالي هذا هو حكاية سمعتها أو قرأتها صغيرا:
كان رجل تقي يسكن كوخا تقوم إلى جانبه تفاحة، وكان ذاك الرجل لا يملك من أشجار الدنيا غيرها، ولكنه قلما ظفر منها بثمرة، فلا تكاد أن تنضج واحدة حتى يقطفها أحد الصبيان. وفي إحدى أمسيات الصيف استضافه درويش عليه سيماء رجال الخير والصلاح، فسأله أن يبيت عنده فعشاه على فاقته ومد له فراشا لينام، فركع الدرويش ليصلي ثم انفتل من صلاته وقال لمضيفه: «تمن علي، فأسأل الله أن ينيلك ما تبتغي!»
فضحك الشيخ ولم يصدق ما يسمع، فقال له الرجل: «جرب فأنت لا تخسر شيئا إذا لم يستمع ربي إلى صلاتي.» فاستضحك الرجل وقال لضيفه: «اسأل لي ربك ألا ينزل من يصعد إلى تفاحتي إلا بإذني.»
فصلى الدرويش لربه بحرارة وإلحاح شديدين، ولما وثق من استجابة الله - تعالى - له نام ملء عينيه، وعند الصباح ودع مضيفه شاكرا سائلا له الثواب من الله - تعالى - لأنه آوى في بيته أحد أبناء السبيل.
وقضى الرجل نهاره يراقب الغزاة الذين يشنون الغارة على تفاحته، وما جاء الليل حتى سمع حركة في التفاحة فأضاء قنديله ليرى فوقعت عيناه على صبي قد ملأ عبه تفاحا، وهو يحاول النزول ولا يستطيع، فتذكر ضيفه تلك الليلة وأدرك أنه نبي وقد استجاب الله لطلبته، فقال للولد: «عاهدني يا بني على ألا تقرب تفاحتي لكي آمرك بالنزول.»
صفحة غير معروفة