142

سبل ومناهج

تصانيف

قال دزرائيلي الوزير العظيم: «إن ما حدث في الماضي من العظائم يمكن عمله في المستقبل، فما أنا بعبد ولا أسير، وفي وسعي أن أتغلب بالعزم والثبات على مصاعب أعظم من التي أنا فيها.»

وفيلسوفنا الفارابي لم يكن له رأس مال إلا عزمه وثباته، فكان يسهر الليل للمطالعة والتصنيف مستضيئا بقنديل الحراس.

فكم من رجال بدءوا جهادهم في معترك الحياة ورأس مالهم لا شيء! وكم من مهاجر جاب مجاهل أمريكا على رجليه ليكسب القرش! فكم لاقى من مشقات! وكم استقبل من صدمات! ومع ذلك لم يفتر عزمه، وظل يجاهد حتى استقر أخيرا على كرسيه فصار مخدوما بعد أن كان خادما. فأي رساميل أو رءوس أموال حمل مهاجرونا إلى دار غربتهم، حيث زاحموا أهل الوطن في أرضهم؟ إنهم لم يحملوا في حقيبتهم شيئا؛ لأنهم ذهبوا بلا حقائب ... ذهبوا وما عليهم غير ما يلبسون، ولكنهم بكدهم واجتهادهم شادوا المعامل والمصانع التي كست العراة وأطعمت الجياع، ورفعوا اسم أبناء جنسهم عاليا.

إذن لا تقل لي ليس لدي رأس مال لأبادر، فرأس مالك عقلك، ورأس مالك حزمك وعزمك وجرأتك.

إن الحياة فريسة المجتهد النشيط، فتسلح بهذه المزايا تربح المعركة، معركة النضال في حرب المعاش.

نحن الشرقيين نحيا غالبا اتكاليين، وأصحاب الثروة منا يبددونها معتقدين أنها خالدة لا تزول؛ ولهذا يسابقنا الغريب في أراضينا على الثروة فنقعد حسيرين ملومين، فلو تنبه أبناء البيوتات منا لما صاروا إلى ما صاروا إليه.

إن العمل الدائم هو رأس مال لا يفنى، أما المال المخزون فمصيره إلى النفاد، فبادر إلى العمل، ولا تصم أذنيك عمن يناديك كل يوم خمس مرات: «حي على الفلاح.»

شعرة من شواربك

كانت الكلمة في ذلك الزمان تغني عن السند المسجل وصك الطابو، إذا قال لك أحدهم: بعتك، خرج المبيع من يده مع تلك الكلمة وصار ملكا لك.

ولهذا نقرأ في تلك الوريقات الموروثة عن جدودنا: «حضر فلان مجلس عقده وباع من فلان قطعة الأرض المعلومة الحدود ... إلخ»، كان ختم محكمتهم ضرب الكف بالكف، ومتى ارفض المجلس ثبت كل ما قيل فيه وكأنه كتب بأصبع الرب! وكم من رجل من أولئك الأفاضل ذهبت بعقاره كلمة قالها.

صفحة غير معروفة