دراسات في أصول اللغات العربية
الناشر
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
رقم الإصدار
السنة السادسة-العدد الثالث-رجب ١٣٩٤هـ
سنة النشر
فبراير ١٩٧٤م
تصانيف
والبقاء لم تؤثر فيها الهزات العنيفة، ولا انتشار أهلها واسع في عدة مراحل من التاريخ كما سأبينه في النقطة التالية..
وقد سبق أن أشرت إلى حركات النزوح والانتشار التي تعرضت لها أمة العرب وكان أشهرها وأعظمها:
الهجرة الأولى: من منطقة الهلال الخصيب والرافدين باتجاه الجزيرة العربية ووادي النيل وربما شمالًا وشرقًا إلى جهات أخرى..
الهجرة الثانية: من اليمن إلى سائر أنحاء الجزيرة والرافدين والشام ووادي النيل.
الفتوحات الكبرى: وهي أعظم حركات الانتشار العربية، وقد أوصلت العرب إلى منطقة تمتد من مشارف الصين شرقًا وبلاد الهند والسودان جنوبًا إلى المحيط الأطلسي غربًا، ثم مشارف أوروبا شمالًا امتدادًا من فرنسا وصقلية وقبرص وبيزنطة ثم القفقاس وبلاد الخزر وأواسط آسيا وفرغانة التي هي بلاد الترك، وهي منطقة كما نلاحظ تحتوي على أمم كبرى رئيسية: أمة الهند، والترك، والبربر، والروم، والفرس.
فلو أن أي أمة غير أمة العرب انتشرت هذا الانتشار لم أشك لحظة أنه كان يُقضى على سائر خصائصها ومنها - اللغة -، أو على الأقل تضعف وتنضب مقوماتها وخصائصها، لكن الذي حدث بالنسبة للعرب والعربية أن صمدت مقوماتهم وازدادت العربية قوة وازدهارًا وتماسكًا فبدل أن تحتويها كل تلك الأمم والحضارات واللغات وتطغى عليها، احتوت هي كل تلك الأمم والحضارات، وطغت على سائر تلك اللغات، ولا شك أن العاملين الآخرين كان لهما دون رئيسي في ذلك وهما: نزول القرآن دستور الإسلام باللغة العربية وتكلم الرسول ﷺ بالعبرية فهذان جعلا - دين الإسلام - كله عربيًا، وهو دين عالمي، فكان دخول الأمم في حظيرة الإسلام دخولًا في
1 / 135