وأد الفتنة دراسة نقدية لشبهات المرجفين وفتنة الجمل وصفين على منهج المحدثين
الناشر
دار عمار للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٠ هـ - ٢٠٠٩ م
مكان النشر
عمان - المملكة الأردنية الهاشمية
تصانيف
كان قبلهم، ويأتمّ بهم من بعدهم. كما شهد الله تعالى لخاتم النَّبيِّين بالعصمة، فقال: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ... ... (٢١)﴾ [الأحزاب].
وقد ورد في كتاب الله ما يوهم ظاهره بأن للأنبياء ذنوبًا وأخطاء تتنافى مع عصمتهم، وعُذْرُ مَنْ توهّم ذلك أخْذُه بظاهر القرآن.
ومن أمثلة ما ورد، قوله تعالى: ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (١٢١)﴾ [طه] فظاهر الآية الكريمة أنّ آدم ﵇ عصى الله وغوى، وظاهر الآية غير مراد.
فمعصية آدم ﵇ التي أشار إليها القرآن كانت نسيانًا، فقد نسيَ عَهْدَ الله، فأكل من الشجرة ﴿وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى آدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا (١١٥)﴾ [طه] فعُذْرُ آدم النّسيان وعدم العزم، والله تعالى لا يؤاخذ على الخطأ والنسيان وإنَّما على ما تعمّدت القلوب، ويشهد لذلك قول الله تعالى: ﴿رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ... (٢٨٦)﴾ [البقرة] وقوله: ﴿وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ ... (٥)﴾ [الأحزاب] وإنما اعتبر الله ﵎ نسيان آدم ﵇ عصيانًا بالنَّظر لمقام آدم الرفيع المحمود، فحسنات الأبرار سيئات المقربين كما يقولون.
وزيادة على ذلك فهذا النِّسيان وقع منه قبل النُّبوَّة؛ فالله تعالى ذكر أنّ الاجتباء والهداية كانا بعد العصيان: ﴿وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (١٢١) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى (١٢٢)﴾ [طه].
ثمّ انظر إلى قوله تعالى: ﴿فَتَابَ عَلَيْهِ﴾ فتوبة الله تعالى على عبده تجعل ما ارتكبه له لا عليه، فالله تعالى يقول: ﴿فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ ... (٢٧٥)﴾ [البقرة] (^١)، وقوله: ﴿فَلَهُ مَا سَلَفَ﴾ أي السّالف من ذنبه لا يكون عليه إنّما هو له، ومن درس (علم
(^١) هذه الآية نزلت في حقّ آكل الرّبا، وهي من جوامع الكلم، والمعنى أنّ خطاياه الماضية غفرت له وتاب عليه.
1 / 80