وأد الفتنة دراسة نقدية لشبهات المرجفين وفتنة الجمل وصفين على منهج المحدثين
الناشر
دار عمار للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٠ هـ - ٢٠٠٩ م
مكان النشر
عمان - المملكة الأردنية الهاشمية
تصانيف
أمر الله تعالى: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ (٦٠)﴾ [الرحمن].
ولكن ليعلم الكاتب والقارئ أنّه ما مِنْ أَحَدٍ أَحْدَثَ في التّاريخ شيئًا إلاّ سُئلَ عنه يوم القيامة! وما من شكّ أنّ من ينطق بأخبار الوضّاعين، ويتابعهم، ويتحدّث بلسانهم يعتبر امتدادًا لهم، وشريكًا لهم بالإثم!
تنبيه المؤرّخين إلى روايات الوضّاعين
وقد حذّر المؤرّخون القدماء من روايات الوضّاعين، ونبّهوا إلى حدوث التّحريف والتّغيير في التّاريخ؛ ليحترز النّاس فلا يقبلوا إلاّ ما صحّ من الأخبار والآثار سندًا ومتنًا، قال ابن الأثير:
" لم أذكر في موقعة الجمل إلاّ ما ذكره أبو جعفر (الطّبري) إذ كان أوثق مَنْ نَقَلَ التّاريخ، فإنّ النّاس قد حشوا تواريخهم بمقتضى أهوائهم" (^١).
وقال ابن العربي: " ولا تقبلوا رواية إلاّ عن أئمّة الحديث، ولا تسمعوا لمؤرّخ كلامًا إلاّ للطَّبري، وغير ذلك هو الموت الأحمر، والدّاء الأكبر، فإنّهم ينشئون أحاديث فيها استحقار الصّحابة والسّلف، والاستخفاف بهم " (^٢).
وابن العربي يعرفُ أنّ تاريخ الطّبري مشحون بالرّوايات الباطلة، لكنّه أثنى عليه لأنّه أخرج الرّوايات مُعْنعنةً، وأسندها إلى أصحابها؛ ليكون القارئ على بيّنة، فقد قال الطّبري في مقدّمة كتابه: " فما يكن في كتابي هذا من خبر ذكرناه عن بعض الماضين ممّا يستنكره قارئه أو يستشنعه سامعه من أجل أنّه لم يعرف له وجهًا في الصّحة ولا معنى في الحقيقة فليعلم أنّه لم يُؤْتَ في ذلك من قِبلنا، وإنّما أتى من قبل بعض ناقليه إلينا، وإنّا إنّما أدّينا ذلك على نحو ما أُدِّيَ إلينا " (^٣).
(^١) ابن الأثير " الكامل في التّاريخ " (م ٢/ص ٣٥٠).
(^٢) ابن العربي " العواصم من القواصم " (ص ٢٥١).
(^٣) الطّبري " تاريخ الأمم والملوك " (ج ١/ص ٥).
1 / 199