وأد الفتنة دراسة نقدية لشبهات المرجفين وفتنة الجمل وصفين على منهج المحدثين
الناشر
دار عمار للنشر والتوزيع
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٣٠ هـ - ٢٠٠٩ م
مكان النشر
عمان - المملكة الأردنية الهاشمية
تصانيف
سبب تشدّد معاوية في الطّلب بدم عثمان
وقد يسأل سائل: ما الحكمة من إصرار معاوية على الاقتصاص من قتلة عثمان في الحال؟! أما وسعه أن يطيع أمر الخليفة الّذي يرى أنَّ التَّريُّثَ هو السّبيل إلى النّيل من قتلة عثمان؟! أم أنّ لمعاوية مآرب أخرى؟
قد يتوهّم متوهّم أنّ العصبيّة وراء تشدّد معاوية، فهو يطلب بدم ابن عمّه، أو أنّ وراء ذلك طلب السّيادة والملك.
أمّا العصبيّة فلا، فدعوى الجاهليّة عند الصّحابة موضوعة؛ لأنّ النَّبيَّ ﷺ خطب فيهم يوم عرفة، وقال: " ألا كُلُّ شيء من أمر الجاهلية تحت قدمَيَّ موضوع" (^١) وما وَضَعَهُ النَّبيُّ ﷺ وضعه الصّحابة ﵃، لكنّه ﵁ كان يرى أنّ له سلطانًا، فالله تعالى يقول: ﴿وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا ... (٣٣)﴾ [الإسراء].
وأمّا المُلْك فلا؛ لأنّ معاوية لا يَسْأل الإمارة، فهو يعرف قول النَّبيِّ ﷺ لمّا خاطب عبد الرّحمن بن سمرة، وقال له: " لا تسأل الإمارة فإن أعطيتها عن مسألة وكِلت إليها " (^٢) والصّحابة لا يُؤَمِّرون أحدًا يسأل الإمارة أو يحرص عليها، لقوله ﷺ لرجلين من قوم أبي موسى ﵁: " إنّا لا نولّي هذا مَنْ سأله ولا من حرص عليه " (^٣).
ولكنَّ وراء تشدّده أَمْرَين فيما نعتقد: ظاهر، وخفيّ. أمّا الأمر الظّاهر فهو أنّ البغاة على الخليفة عثمان ﵁ اجترؤوا على رأس الدّولة، وهو خير من طلعت عليه الشّمس بعد النَّبيِّ ﷺ وخليفتيه، فكأنّ معاوية ﵁ لا يرى لنفسه عذرًا أمام الله إن تهاون بالطّلب في دم عثمان، والبغاة يرتعون ويلعبون في أرض الهجرة وقبّة الإسلام ودار الإيمان، لا سيّما وأنّ له شوكة عليهم.
(^١) مسلم " صحيح مسلم بشرح النّووي " (م ٤/ج ٨/ص ١٨٢) كتاب الحجّ.
(^٢) البخاري " صحيح البخاري " (م ٤/ج ٨/ص ١٠٦) كتاب الأحكام.
(^٣) البخاري " صحيح البخاري " (م ٤/ج ٨/ص ١٠٧) كتاب الأحكام.
1 / 177