وقد جلس إلى يمينه مولوتوف، وجلس إلى يساري مستر هاريمان ومستر بيدج، كما جلس المترجم الرسمي لوزارة الخارجية بافلوف في طرف المائدة.
وأخذت أتمعن في الحجرة وأنا على مقعدي، فهذه المائدة الكبيرة التي يكاد يبلغ طولها ثلاثين قدما تشغل حيزا كبيرا منها، ورأيت في أحد الأركان مكتب ستالين الضخم ومقعده الفاخر، وعلى الأرض بساط طويل أحمر اللون، وقد غطيت الجدران بخشب قاتم اللون إلى ارتفاع يبلغ ثلاثة أقدام ونصف قدم تقريبا، ويليه طلاء يميل إلى اللون الأصفر ويصل إلى السقف الأبيض الذي كان يتلألأ بالضوء المستور، وكانت الحجرة ملأى بالأثاث الجيد المتين، تتجلى فيها آيات الذوق السليم، وكان الأثاث يلمع كالمرايا الساطعة.
ولم يكد الماريشال ستالين يتخذ مقعده حتى تناول قلما أحمر من الرصاص وراح يرسم به عابثا في مفكرة من الورق الأبيض الكبير، وقد ظل خلال الحديث يرسم ذئابا ونساء وقصورا وأشكالا هندسية أخرى حتى تمتلئ الصفحة فيطويها بعناية من أسفلها إلى أعلاها، ثم يستأنف الرسم، ويكرر ذلك حتى تصبح الورقة أشبه بالشريط الضيق لكثرة الطي، فيلقي بها إلى السلة ثم يبدأ بورقة أخرى من جديد.
وقد لاحظت أن يديه مربعتان قويتان، وأظافره مقلمة ومطرفة، ولم ينظر إلي بل بدا شارد اللب منهمكا في الرسوم التي يخطها على الورق.
أما مولوتوف فكان يدخن وهو يحدق في وجهي بوجه مربع غامض السمات، كأنه رئيس قبيلة من الهنود الحمر، وكانت عيناه الزرقاوان اللتان لم تكفا عن التحديق في لحظة واحدة واسعتين أشبه بعيون الدمى المصنوعة من الخزف الصيني.
الحديث!
ومرت فترة ثقيلة محرجة ساد فيها الصمت، ولما لم يبدأ الحديث رأيت أن أبدأه أنا، وأنا أنقله من المذكرات التي دونتها في اليوم التالي عند طيراني إلى سيبيريا.
وقد بدأت الحديث بأن أبلغت ستالين تحيات عدد كبير من الأمريكيين، فقال وهو مستمر في الرسم على الورق: أشكرك!
وطلب مني كذلك أن أحمل إلى هؤلاء الناس أطيب أمانيه، وجاء اسم أحد أساطين الصناعة الأمريكية فقال: الله يرعاه!
وقلت بعد ذلك: إنني أود أن أعرب عن شكري لما لقيت من ترحيب ومجاملة في الاتحاد السوفييتي، كما ذكرت بأن زياراتي للصناعات السوفييتية المختلفة كانت ممتعة ومفيدة في وقت واحد.
صفحة غير معروفة