ولكن لما مات ستالين وأصبح ملكا للتاريخ، بدأ الباحثون والعلماء والكتاب يتناولونه من نواحيه المختلفة، ويتناولون عهده وما أحدثه من آثار عميقة في تاريخ روسيا، أو تاريخ أوروبا وآسيا ... بل تاريخ العالم كله.
وجاء خروشيشيف بعد ذلك فألقى خطابه السري المشهور في المؤتمر العشرين للحزب، في ليلة 24-25 فبراير من عام 1956، وفضح عدة مسائل كانت مستورة، كما نشر عدة صفحات أخرى كانت مطوية، وكان ذلك بعد وفاة ستالين بثلاث سنوات فقط.
ولا شك أن المتتبع للثورة الروسية يمكن أن يرجع بجذورها إلى أول القرن التاسع عشر، والناظر إلى وجه ستالين وهو لا يزال في ريعان الصبا يمكن أن يلمح فيه شابا تملؤه الفتوة، وتدفعه الجرأة، عندما كان أحد محترفي الثورة ... إنه لا شك شديد الاختلاف عن ذلك الصبي الذي زجت به أمه إلى المدرسة الإكليريكية وهي ترجو أن يكون يوما من بين رجال الدين!
لقد كان الرجال الذين يمهدون للثورة الروسية - وستالين من بينهم - يعيشون في روسيا القيصرية مرموقين بنظرات البطولة؛ وذلك لما كانوا يتعرضون له من أخطار دائمة، ومؤامرات واسعة النطاق، تتهدد حياتهم وحرياتهم في كل وقت.
كان البوليس السري للقيصر يبحث عنهم ويتتبع حركاتهم حتى يزج بهم إلى أعماق السجون، أو يرسلهم إلى النفي في سيبيريا.
كانت الشعلة التي تلهمهم في ذلك الوقت هي المثالية الاشتراكية التي ابتدعها كارل ماركس وانجلز، وكان أحرار العالم جميعا يؤيدونهم في جهادهم، ويتمنون لهم ولبلادهم الخلاص من الحكم القيصري الظالم الطاغي.
ولكن ستالين كان يتميز بصفات لم تتوفر لغيره من الزملاء المجاهدين العاملين في نفس القضية ...
فقد كان أشد جرأة من معظم الثوار المحترفين.
وكانت أطماعه لا تقل عن أطماع أي واحد منهم إن لم تزد عنها ...
وكان أشدهم انتهازية، فقد رسم سياسته أولا على أساس السير في ركاب لينين، والانضواء تحت زعامته حتى تسنح له الفرصة للاستئثار بالسلطة لنفسه.
صفحة غير معروفة