ولكن ماذا كان وراء هذه الأزمة الفجائية في الزعامة السوفييتية؟ وكيف أمكن لخروشيشيف الذي كان يتولى برنامج المزارع الجماعية عند وفاة ستالين أن يتقدم إلى هذا المدى ... وبهذه السرعة؟
لقد كان أول من خلف ستالين كرئيس للوزراء وسكرتير أول للحزب الشيوعي هو جيورجي مالنكوف الذي كان ستالين يشمله برعايته، ويعتبره يده اليمنى، ولكن لم يمض أسبوع واحد حتى سلم مالنكوف سكرتيرية الحزب لخروشيشيف، وعرف أن هذا الأوكراني قد بدأ يصعد السلم، ولقد سار تماما على سياسة ستالين، فاتخذ الحزب وسيلة للقبض على زمام السلطة، وحتى في لجنة الرئاسة التي خلفت المكتب السياسي كان يتحكم دائما في ستة أصوات من الأحد عشر صوتا التي تتكون منها اللجنة.
ولعب خروشيشيف الدور الأول بالاشتراك مع الجيش الأحمر في القضاء على لافرنتي بيريا رئيس البوليس السري في عهد ستالين، وكانت هذه هي المحاولة الأولى في سبيل الاستيلاء على السلطة.
وفي عام 1955 أجبر مالنكوف على الخروج من الحكم؛ وذلك بسبب اقتراحه التحول من الصناعات الكبرى إلى بضائع الاستهلاك.
وبعد عام آخر طرد الزعيم القديم «فياشسلاف مولوتوف» من منصب وزير الخارجية؛ وذلك بسبب اقتراحه سياسة التهدئة مع يوغوسلافيا.
إلا أن لجنة الرئاسة ما لبثت بعد ذلك أن عارضت خروشيشيف ووقفت في وجهه واتهمته بأن سياسته هي التي أدت إلى نشوب الثورة في بولندا والمجر، ومرت أحرج الساعات في حياة خروشيشيف السياسية عندما اجتمعت اللجنة المركزية للحزب في ديسمبر من عام 1956، ووافقت على اقتراح تقدم به «الجناح» الستاليني في اللجنة وهو يقضي بفرض سياسة مركزية للصناعة السوفييتية تحت قيادة دكتاتور اقتصادي جديد هو نائب الرئيس ميخائيل بيرنوكين.
ولو انتهز الستالينيون الفرصة وقتئذ وأجمعوا رأيهم لتمكنوا من طرد خروشيشيف، ولكنهم ترددوا في ذلك مما ترك الباب مفتوحا لتدخل الماريشال جيورجي زوكوف وماو تسي تونج، وتمكنا بذلك من إنقاذ خروشيشيف والإبقاء عليه في منصبه ... بل ربما كان تدخلهما هو الذي أنقذ حياته.
وعرف خروشيشيف كيف يتقهقر تقهقرا منتظما فأعلن على الملأ: «إننا جميعا ستالينيون!»
ولكن في شهر فبراير من عام 1957 كان خروشيشيف قد بدأ يستعيد سلطاته، فاجتمعت اللجنة المركزية من جديد ووافقت على مشروع تقدم به خروشيشيف نفسه وهو يقضي باتباع سياسة اللامركزية في الصناعة للقضاء على ما كان يعتبره بيروقراطية عقيمة.
وعارض مالنكوف في ذلك القرار، وانضم إليه مولوتوف وقطب الصناعة السوفييتية كاجانوفيتش؛ فقد تبين مالنكوف أن اتباع سياسة اللامركزية في الصناعة سوف يشتت مديري الصناعة في الاتحاد السوفييتي، وهم الذين خلق منهم مالنكوف طبقة من أقوى الطبقات في الاتحاد، كما أنه سيؤثر على قوام الصناعة الذي بناه كاجانوفيتش خلال 22 عاما.
صفحة غير معروفة