وفي كل مرة تشرق الشمس على موسكو ... يخيل لي أنه هو الذي يحرك مفتاحا في يده فيضيء النور ...
وفي ذات يوم سمع في إذاعة لراديو براغ في تشيكوسلوفاكيا وصف لستالين جاء فيه: «أنت اسم آخر للخلود!»
ولكن ستالين مات في يوم من الأيام كما يموت سائر البشر، وعرف الناس في روسيا أن الخلود لله وحده، وصدر بلاغ رسمي من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي ومجلس الوزراء ينعي ستالين للشعب، وقال الزعماء الذين نعوه في عبارات باكية: «إن أعظم القلوب الإنسانية قد نبض نبضته الأخيرة فلا حراك له بعد اليوم.» «لقد توقف قلب القائد والمعلم الحكيم عن الخفقان.» «ولكن اسم ستالين الخالد العزيز علينا سيعيش دائما، وسيظل حيا إلى الأبد في قلوب الشعب السوفييتي وجميع الشعوب التقدمية.»
وبكى مولوتوف وهو يودع ستالين الوداع الأخير وقال: «كلها بالأفكار العظيمة ستظل لنا نبراسا حيا.»
وقال مالنكوف وهو يتنهد: «وداعا أيها الصديق المحبوب! ...»
أما طاقات الزهر التي أرسلت لتوضع على نعشه فلم يكن من السهل حصرها هي الأخرى، شأنها في ذلك شأن الدموع الحارة التي أذرفت حزنا عليه يوم موته ... •••
ولكن لم تمض سنوات ثلاث على وفاة ستالين حتى فوجئت روسيا، بل فوجئ العالم كله، بعملية تحطيم عجيبة تجري بكل همة ونشاط في روسيا للقضاء على سمعة الإله الذي دفن منذ ثلاث سنوات.
وبدأ الناس يسمعون، وهم في ذهول، أن «أمل العالم ونوره وضميره» الذي تعود مئات الملايين من البشر أن يحترموه ويبجلوه بوصفه «مجد كل من ولد بقلب أمين»، قد أعيد تقدير قيمته بمعرفة زملائه السابقين، وأنه أصبح اليوم في نظرهم شخصا عابثا، جاهلا، جبانا، قاسيا، شريرا، مستبدا، مجنونا ... متوحشا!
ورأى الناس، وهم في ذهول، أن الذين بكوا وانتحبوا يوم وفاة ستالين وقالوا: إن أعظم القلوب الإنسانية قد نبض نبضته الأخيرة، رآهم وهم يهيلون التراب على صورة الرجل العظيم، الأب الحكيم الخالد، القائد، الأمل، نور الضمير العالمي، صاحب أعظم العبقريات الحربية التي تمخضت عنها جميع العصور!
إنهم لم يهيلوا التراب في صمت، بل تحدثوا وتحدثوا كثيرا، وقالوا: إن الإله الذي عبدوه مع بني وطنهم قد أنزل بالبلاد أضرارا عظيمة ...
صفحة غير معروفة