يكن في حسابه، فقال: (بل هم فلان وفلان، خرجا في طلب حاجة لهم)، ثم مكث قليلًا، ثم قام فدخل خِباءَه، وقال لخادمه: (اُخْرُجْ بالفرس من وراء الخباء، وموعدك وراء الأكمة)، ثم أخذ رمحه، وخفض عاليه يخطُّ به الأرض حتى ركب فرسَه، وسار في طلبهم، فلما قرب منهم، سمع قراءة النبي ﷺ، وأبو بكر ﵁ يكثر الالتفات حذرًا على رسول الله ﷺ، وهو ﷺ لا يلتفت، فقال أبو بكر: يا رسول الله، هذا رجل قد رهقنا، فدعا عليه رسول الله ﷺ فساخت يدا فرسه في الأرض، فقال: رُمِيتُ إِن الذي أصابني بدعائكما، فادعوَا الله لي، ولكما عليّ أن أردَّ الناسَ عنكما، فدعا له رسول الله ﷺ، فأُطْلِق، وسأل رسول الله ﷺ أن يكتبَ له كتابًا، فكتب له أبو بكر في أدم، وعرض عليهما الحملان والزاد، ورجع يقول للناس: قد كفيتم ما ها هنا، وكان أول النهار جاهدًا عليهما، وآخره حارسًا لهما، وقد جاء مسلمًا عام حجة الوداع، ودفع إِلى رسول الله ﷺ الكتابَ الذي كتبه له، فوفَّى له رسول الله ﷺ بما وعده، وهو لذلك أهلٌ.
ومرّ رسول الله ﷺ في مسيره ذلك بخيمة أم معبد الخزاعية، وكانت امرأة برزةً جلْدةٌ تحتبي بفناء الخيمة، ثم تُطْعم وتسقي من مرّ بها، فسألاها: هل عندك شيءٌ؟ فقالت: والله، لو كان عندنا شيءٌ ما أعُوزَكم القِرَى، والشاء عازبٌ، وكانت سنة شهباء، فنظر رسول الله ﷺ إِلى شاةٍ في كِسْرِ الخيمة، فقال: ما هذه الشاةُ يا أمّ معبد؟ قالت: هي أجهدُ شاةٍ، خلفها الجَهْدُ عن الغنم، فقال: هل بها من لبن؟ قالت: هي أجهدُ من ذلك. فقال: هل تأذنين لي أن أحلبها؟ قالت: نعم، بأبي وأمي، إِن رأيتَ بها حَلْبًا فاحلُبْها.
1 / 290