انتشار الإسلام الفتوحات الإسلامية زمن الراشدين
الناشر
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
رقم الإصدار
السنة الحادية والعشرون-العددان الواحد والثمانون والثانى والثمانون-المحرم
سنة النشر
جمادى الآخرة ١٤٠٩هـ
تصانيف
هذه المعاملة الحسنة كانت تنفيذًا لأمر الدين، واتباعًا لسنة النبي ﷺ ففي الوقت الذي كان رسول الله ﷺ يهاجم عقائد اليهود والنصارى بسبب اتخاذهم أحبارهم ورهبانهم أربابا ًمن دون الله، يحرمون ويحلّون١ - كان النبي ﷺ يوصي بهما خيرًا، ويزورهم، ويكرمهم، ويحسن إليهم، ويعود مرضاهم، ويأخذ منهم ويعطيهم، فاستقبل وفد نجران في مسجده وبحضرة المسلمين٢. وأجرى الصدقة على أهل بيت من اليهود٣، ورهن درعه عند أبي الشحن اليهودي٤، وكان بوسعه أن يقترض من أصحابه، ولكَنه أراد أن يعلم أمته، ووقف لجنازة يهودي مرت به٥. وكل هذه من وسائل الدعوة التي تستهوي القلوب.
وقد سار خلفاؤه ﷺ على نهجه، وعلى هديه، فهذا عمر بن الخطاب ﵁ يوصي سعد بن أبي وقاص ﵁ ويأمره بالترفق في جيش المسلمين، ولا ينس أثناء ذلك أن يوصي بأهل الذمة قائلا:
"ترفق بالمسلمين في سيرهم، ولا تجشّمهم عسيرًا يتعبهم، ولا تقصر بهم عن منزل يرفق بهم، حتى يبلغوا عدوهم، والسفر لم ينقص من قوتهم، فإنهم سائرون إلى عدو مقيم، حامي الأنفس والكراع. وأقم بمن معك في كل جمعة يوما ًوليلة، حتى تكون لهم راحة، يحيون بها أنفسهم، ويربون أسلحتهم، وأمتعتهم، ونحّ منازلهم عن قرى أهل الصلح والذمة، فلا يدخلها من أصحابك إلا من تثق به، ولا يرزأ أحدًا من أهلها شيء، فإن لهم حرمة وذمة، ابتليتم بالوفاء بها، كما ابتلوا بالصبر عليها، فما صبروا لكم، فتولوهم خيرًا، ولا تنتصر على أهل الحرب بظلم أهل الصلح ... "٦.
ولما طعن أحد أهل الذمة (وهو فيروز الديلمي- أبو لؤلؤة المجوسي النصراني) عمر بن الخطاب ﵁ بالتآمر مع اليهود والنصارى٧، قال وهو في النزع الأخير:
"أوصي الخليفة من بعدي بأهل الذمة خيرًا، أن يوفي بعهدهم، وأن يقاتل من ورائهم، وألا يكلفهم فوق طاقتهم"٨.
_________
١ قال تعالى: ﴿اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ﴾ التوبة ٣١.
٢ ابن هشام - السيرة ٢/٢٠٦.
٣ أبو عبيد - الأموال ٦١٣.
٤ الشافعي - الأم ٣/١٥٣.
٥ كشف الغمة ٢/٢١٥.
٦ ابن عبد ربه_ العقد الفريد ١/١١٧_ ١١٨.
٧ انظر: تفصيل المؤامرة في أثر أهل الكتاب_ لكاتب هذا البحث ٢٢٤_ ٢٥٠.
٨ أبو يوسف - الخراج ١٣٦، يحي بن آدم_ الخراج ٧١، سنن البيهقي ٩/٢٠٦.
1 / 94