انتشار الإسلام الفتوحات الإسلامية زمن الراشدين
الناشر
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
رقم الإصدار
السنة الحادية والعشرون-العددان الواحد والثمانون والثانى والثمانون-المحرم
سنة النشر
جمادى الآخرة ١٤٠٩هـ
تصانيف
ولما رأى عمر بن الخطاب ﵁ مقدار ما وصل إليه من أموال إلى المدينة، قال:
"إن جيشًا أدّى هذا لذو أمانة".
فأجابه علي ﵁:
"عففت فعفّت الرعية، ولو رتعت لرتعوا"١.
ولما انسحب المسلمون من حمص في خطة عسكرية محكمة لمواجهة القوات البيزنطية في اليرموك، أعادوا الجزية لأهل حمص، مخالفين كل ما يتوقعه الناس من جند ينسحب عن مدينة (إذ يعمل فيها الخراب والتدمير)، فدهش أهلها، فقال لهم المسلمون:
"قد شغلنا عن نصرتكَم، والدفع عنكم، فأنتم على أمركم". فقالوا:
"لولايتكم وعَدلكم أحبّ إلينا مما كنا فيه أن من الظلم والغش".
ومنعوا الروم من دخول المدينة، وكذلك فعل أهل المدن التي صولحت من النصارى واليهود٢.
ومما يلفت النظر ويذكر بفخر لحملة الإسلام الأول من القادة والجند، قلة أموالهم في العراق وخراسان والشام ومصر بالقياس إلى غيرهم. لأنهم كانوا لا يمدون يدًا إلى أموال أهل البلاد المفتوحة، ولم ينصرفوا إلى شئون الكسب والمعاش انصرافًا تامًا، فقد جاهدوا في سبيل الله، ونصحوا ونصروا بأموالهم وأنفسهم، وهم في هذا حالة فِريدة في التاريخ العالمي. وأما الغنائم فكانت حلالًا لهم، فأخذوها وأكلوا منها، وكانت أوسمة من أوسمة الجهاد في سبيل الله، فليست غاية في ذاتها. فكانت عزتهم في إسلامهم.
اقرأ ما قاله عمر بن الخطاب ﵁ حين غادر المدينة إلى بيت المقدس ليتسلمها من الروم:
" الحمد لله الذيَ أعزنا بالإسلام، وأكرمنا بالإيمان، وحصّننا بالقرآن، ورحمنا بنبيه محمد ﷺ، فهدانا به من الضلالة وبصّرنا من الجهالة، ورفعنا به من الخمولة، وجمعنا به بعد الشتات والفرقة، وألف بين قلوبنا، ونصرنا على أعدائنا، ومكن لنا في البلاد، وجعلنا به إخوانًا متحابين، فاحمدوا الله عباد الله! على هذه النعمة، وسلوه المزيد فيها والشكر عليها، فإن الله يزيد المستزيدين الراغبين ويتم نعمته على الشاكرين ... "٣.
_________
١ ابن الأثير - الكامل في التاريخ ٢/٣٦٠.
٢ البلاذري - فتوح البلدان ١٤٣، ابن عساكر ١/٥٦.
٣ انظر: الموالي - موقف الدولة الأموية منهم_ لكاتب هذا البحث ٩٥.
1 / 91