155

اسپينوزا

تصانيف

وهكذا ارتكب بن جوريون - في هذه الحالة أيضا - مغالطة واضحة عندما قارن بين إدانة سقراط التي لم تصدر إلا عن محكمة مدنية لا عن سلطة دينية، والتي لم تكن مسألة احتفاظ سقراط بجنسيته أو حرمانه منها موضوعا فيها على الإطلاق، وبين هذا الطرد الديني الذي أعلنته أكبر سلطة يهودية في ذلك الحين، ولعنت فيه اسپينوزا وحرمت كتبه، وظل اسمه يلعن بعد ذلك في الأوساط اليهودية حتى اتضح أنه «مفكر عظيم»، فانقلب الموقف رأسا على عقب.

وأخيرا؛ فقد أشار «ياسپرز» في كتاب حديث له إلى تقرب إسرائيل إلى اسپينوزا في ذكراه؛ فبعد مرور ثلاثمائة عام على طرد اسپينوزا (أي في سنة 1956م)، أرسلت إسرائيل إلى لاهاي حجرا تذكاريا من الجرانيت مهدى إلى ذكرى اسپينوزا، وكتبت عليه «أهلك

Dein Volk »، ويعلق ياسپرز على ذلك قائلا: إن اسپينوزا كان يعجب حقا لو علم ذلك؛ إذ لا يستطيع أي شعب أو دولة أن يزعم أن إنسانا له مكانة اسپينوزا ينتمي إليه وحده، وإنما هو ينتسب إلى الإنسانية جمعاء.

24

وهكذا كانت المحاولة تنطوي منذ بدايتها على اتجاه إلى طمس هذه الحقيقة التاريخية الأساسية أو الإقلال من أهميتها، وترمي إلى إرغام العالم على الاعتراف بانتساب اسپينوزا إلى التراث اليهودي، لا لشيء إلا لواقعة عرضية هي مولده لأبوين يهوديين، بينما كانت وقائع حياته، وعناصر فكره، تنطق كلها بابتعاده التام عن هذا التراث. وفي سبيل ذلك قيل إن الطرد الذي عذب من أجله «أورييل داكوستا» حتى انتحر - حادث تافه عارض، وأن تغيير اسپينوزا لاسمه أمر لا قيمة له (بل إن الكثيرين من الشراح اليهود ما زالوا يسمونه «باروخ» رغما عنه!) وأن إعلانه الانفصال عن اليهودية وإصراره على عدم الرجوع إليها، رغم استخدام سلاحي الرشوة والتهديد بالقتل (حسب الروايات القديمة عن حياته) كل ذلك لا يحول دون استمرار الحكم عليه بأنه «أعظم مفكري الأمة اليهودية وأكثرهم أصالة»! (3) محاولات التقريب بين اسپينوزا واليهودية وتفنيدها

ظهرت هذه المحاولات بقوة في القرن التاسع عشر، وإن كنا نجد في القرن الثامن عشر ناقدا قديما لاسپينوزا، هو «ڨاختر

Georg Wachter » يرجع تعاليم اسپينوزا إلى مذهب «القبالة

Cabbale »

25

اليهودي الذي انتشر في العصور الوسطى. وقد تحمس لهذه الفكرة في القرن التاسع عشر الفيلسوف الألماني «يول

صفحة غير معروفة