الثالث: أودع الله – ﷾ – في الكبد قوة ً هاضمة ً طابخة ً، حتى أن تلك الأجزاء اللطيفة تنطبخ في الكبد وتنقلب دمًا، ثم إنه – تعالى – أودع المرارة قوة ً جاذبةً للصفراء وفي الطِّحال قوة ً جاذبة ً للسوداء، وفي الكِلْية قوة ً جاذبة ً لزيادة المائية، حتى يبقى الدم الصافي الموافق لتغذية البدن، وتخصيص كل واحد من هذه الأعضاء بتلك القوة والخاصية لا يمكن إلا بتقدير الحكيم العليم.
الرابع: وفي الوقت الذي يكون الجنين في رحم الأم يَنْصَبُّ من ذلك الدم نَصِيبٌ وافر إليه حتى يصير مادة لنمو أعضاء ذلك الولد، وازدياده، فإذا انفصل ذلك الجنين عن الرحم ينصب ذلك النصيب إلى جانب الثدي، ليتولد منه اللبن الذي يكون غذاءً له، فإذا كبر الولد لم ينصب ذلك لا إلى الرحم، ولا إلى الثدي، بل ينصب على مجموع بدن المتغذي، فانصباب ذلك الدم في كل وقت إلى عضو آخر انصبابًا موافقًا للمصلحة والحكمة لا يتأتى إلا بتدبير العزيز الحكيم.
الخامس: عند تولد اللبن في الضِّرْع يحدث الله ﷻ – في حُلْمة الثدي ثقوبًا صغيرة ومسامًا ضيقة، وجعلها بحيث إذا اتصل المص، أو الحلب بتلك الحلمة انفصل اللبن عنها في تلك المسام الضيقة، ولما كانت المسام ضيقة جدًا فحينئذ لا يخرج منها إلا ما كان في غاية الصفاء واللطافة، وأما الأجزاء الكثيفة فإنه لا يمكنها الخروج من تلك المنافذ الضيقة فتبقى في الداخل والحكمة في إحداث تلك الثقوب الصغيرة، والمنافذ الضيقة في رأس حُلْمة الثدي أن يكون ذلك كالمصفاة، فكل ما كان لطيفًا خرج، وكل ما كان كثيفًا احتبس في الداخل، ولم يخرج، فبهذا الطريق يصير اللبن خالصًا موافقًا لبدن الصبي سائغًا للشاربين.
1 / 38