لكن زوجها وأولادها ماتوا جميعهم فبقيت وحيدة والت نعمتها إلى زوال ولم يبق لها سوى قطعة أرض عهدت بها إلى زارع يزرعها فكان نتاجها عبارة عما تدفعه من خراج ونصيب الزارع وما يتبقى حصتها إلى الموسم القادم وهو أربعة أرغفة يوميا كانت كل رزقها أحدها لطعامها والثاني لزيت سراجها والثالث لفطورها والأخير لعشائها ولما أراد الوالي أن ينشىء لنفسه متنزها وبستانا استولى على أرضها عنوة وضمها إلى أرضه دون أن يدفع لها ثمنها أو يعوضها منها وظلت المسكينة طوال سنتين تتردد على قصره تصرخ وتستغيث مطالبة الثمن غير أن أحدا لم يلتفت إليها ومنذ مدة لم يرها أحد في هذه المدينة ولسنا ندري أين ذهبت أميتة هي أم حية
وعاد الغلام ومضى إلى القصر وجلس أنوشروان العادل للناس فمثل الغلام وقبل الأرض بين يديه فقال أنوشروان له قل كيف وجدت الأمور فقال الغلام يا مولاي إن المحاصيل جيدة السنة في شتى أرجاء مملكتكم إذ لم تصب بأية افة والمراعي مخضرة وأمكنة الصيد عامرة قال أنوشروان الحمد لله يا له من خبر سار ولما انفض المجلس وخلا القصر من غير أهله أمر أنوشروان بأستدعاء الغلام ثم سأله عن الأحوال هناك فنقل إليه الغلام كل ما سمع فثبت لأنوشروان أن كل ما قالته المرأة كان صحيحا ولم ينم يومه وليلته تلك لكثرة تفكيره وشدة أسفه وفي صبيحة اليوم التالي الباكر استدعى حاجبه الكبير وقال له عندما يبدأ العظماء بالحضور ويأتي فلان احجزه في الدهليز إلى أن أخبرك بما ينبغي عمله
لما حضر العظماء والموبذون إلى البلاط خرج أنوشروان وجلس إليهم ثم التفت نحوهم وقال إني سائلكم شيئا فاجيبوا بصدق عما تعرقون ولو حدسا وتخمينا قالوا سمعا وطاعة قال بم تقدرون ثروة فلان أمير أذربيجان ذهبا نقدا قالوا في حدود مائتي ألف ألف دينار مكدسة لا حاجة له بها قال ومن وسائل الجلوس والأثاث قالوا خمسمائة ألف دينار من الذهب والفضة قال ومن الجواهر قالوا ستمائة ألف دينار قال ومن السجاد ووسائل الزينة قالوا ثلاثمائة ألف دينار قال ومن الأملاك والمستغلات والضياع والعقار قالوا ما من مدينة وناحية في خراسان والعراق وفارس وأذربيجان إلا وله فيها عشر أو سبع أو
صفحة ٧٢