سياست نامه أو سير الملوك
محقق
يوسف حسين بكار
الناشر
دار الثقافة - قطر
رقم الإصدار
الثانية، 1407
تصانيف
لقد كنت في بدء حياتك رجلا مؤذيا للناس غير رحيم بهم متطولا عليهم لكنك لما أفقت من سباتك كففت عن إيذائهم وعدلت عن سيرتك الأولى حتى ان ما قمت به من عمل الخير وبذل الصدقات وإنفاق الأموال على المستحقين لم يقم به أحد فضلا عن أدائك فريضة الحج قل لي بأي عمل بلغت الدرجة التي أنت فيها الان فقال أيها الزاهد لقد عجبت في أمر الله تعالى ومن الأفضل أن تعتبر أنت ايضا ولا تتكىء على الطاعة وتغتر بالعبادة كثيرا اعلم أن مكاني كان معدا في جهنم للمعاصي التي كنت أرتكبها في شبابي وأن لم تكن ثمة فائدة لما قدمت من طاعة وأنفقت من خيرات بعد ذلك وان كل صلاتي وصومي قد رميت في وجهي وأنا في النزع الأخير وان الطاعات والصدقات والخيرات والمساجد والماوي والجسور وأداء فريضة الحج ذهبت كلها هباء منثورا وأن الياس بلغ بي حدا قطعت معه الأمل في الجنة وايقنت أن لا بد من عذاب النار والأصوات تتهادى إلى سمعي ان لقد كنت كلبا من كلاب الدنيا لكننا غفرنا لك ومحونا عنك جميع معاصيك فأدخلناك الجنة وحرمنا عليك النار بإحسانك إلى كلب خلعت له عنك رداء الكبر ورحمته وترفقت به ثم رأيت ملائك الرحمة اتين مسرعين كالبرق فخلصوني من ايدي ملائكة العذاب ومضوا بي إلى الجنة ان ذلك العمل هو الوحيد الذي انتشلني من بين طاعاتي كلها من حال الشقاء تلك
لقد ذكرت هذه الحكاية ليعلم سيد العالم خلد الله ملكه أن الإحسان خصلة جيدة حميدة ففي إحسان موسى عليه السلام إلى الشاة والحاج الرئيس إلى الكلب نالا ما نالا من درجات في الدنيا والاخرة من هنا يعرف إذن ثواب الله عز وجل لمن يحسن إلى مسلم معوز ويأخذ بيده ولخشية ملك الزمان ربه وتقديرة عواقب الأمور فما كان إلا عادلا في كل حال وما كان العادل إلا محسنا وكريما وإن يكن الملك على هذا النحو فإن جميع عماله وأفراد جيشه يتبعون منواله ويقتدرون به ولا جرم من أن ينعم خلق الله ويجنوا ثمرات هذا في الدنيا والاخرة إن شاء الله تعالى
كان من عادة الملوك اليقظين أن يرعوا حرمة المسنين المجربين جواب الافاق وأن يتعهدوا الماهرين في الأعمال والعارفين بشؤون الحرب بأن يجعلوا لكل منهم مقاما ومنزلة أثيرة لديهم لقد كانوا يتدبرون مع الحكماء والمسنين الذين طوفوا الافاق الأمور التي ترتبط بشؤون المملكة ومصالحها وعمرانها وأبنيتها الرفيعة والأمور التي تتصل بترقية
صفحة ١٩٠