جربت من أسقامها ؟ وما حل بك خاصة في نفسك من آلامها؟ وما علمت من استدعاء القليل من موجودها ، للكثير الجم من مفقودها ، حتى في كل أمرها ، بل في خطرات ذكرها ، فهي فقر لا غناء معه ، وشره (1) لا قناعة له ، وحرص لا توكل فيه ، وطلب لا انقضاء للميعاد منه ، وغدر وختر (2) وكذب وخيانة ، ليس فيها صدق ولا وفاء ولا أمانة.
أفما كان في ذلك ما يدعوك إلى الزهد فيها ، والتنزه بعده من الميل إليها ، وإدخال الراحة على نفسك من الشغل بها ، وما حملك الشره من أحمال ثقلها؟! فكيف وأنت زعمت أنك موقن بمواعيد ربك ، وذلك فما لا يتم إلا به إيمانك ، (3) فكيف وقد فهمت من الدنيا خبرها ، وعلمت يقينا موعظتها ، وأيقنت أنه لا يدوم لك فيها خلود محبة ، ولا يتم لك فيها سرور بمعجبة ، ولا يتبعك منها (4) تراث تركته ، والموت فسبيل كأن قد سلكته ، فكل هذا منها فأنت منها (5) في منهج وسبيل ، مع أن الذي هو فيها وأدل عليها من كل دليل ، خبر الله سبحانه عنها ، وما وصفه من صدق الخبر منها.
فاسمعوا لذلك من الله فيها ، وتفهموا عن الله دلالته سبحانه عليها ، بفهم من قلوبكم مضي (6)، وعقل من ألبابكم حيي ، فإنه يقول سبحانه : ( وما الحياة الدنيا إلا لعب ولهو وللدار الآخرة خير للذين يتقون أفلا تعقلون ) (32) [الأنعام : 32]. ويقول سبحانه: ( يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور ) (5) [فاطر : 5].
ثم قال سبحانه : ( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون (15) أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا
صفحة ٣٣٨