على من أناب إليه من الخاطئين ، وكما أن طالب الضالة محب لوجودها وأدائها ، والطبيب محب لإبراء المرضى إذا عالجها من أدوائها ، فكذلك الله تبارك وتعالى يحب توبة من دعاه إلى الإنابة من المذنبين ، ولذلك مدح سبحانه إنابة من أناب إليه من المنيبين (1).
[حذر النفس والهوى]
واعلموا أن من سقط في البحر ، وألقى بيده في لجج الغمر ، (2)، ولم يتحرك في طلب الحياة ، لم يطمع له يقينا بتا بنجاة. ومن وطن نفسه على الهلكة ، يئس من أن يدركه الله بنجاته المدركة ، ومن يئس من الأسباب المنجية ، لم يتب من قبيح سيئة ، ومن يحسن ظنه بربه ، (3) لا يعدم حسن الجزاء في ظنه به ، (4) ومن يسوء ظنه بالله وفيه ، فلا يعرف إحسانه إليه ، ولا يستوجب منه ثوابا ، ولا يأمن له إن عقل عقابا ، وثواب الله على حسن ظن من عبده به ، عوض من جزائه له على حسن عمله.
فالحذر الحذر فإن المنفعة في الحذر عظيمة ، والاستعانة بمعرفتها حصن وغنيمة ، فاستعينوا بالحذر والتيقظ عن الغفلة ، وما ليس بمأمون أن يعارضكم من الملالة.
واعلموا أن الأنفس تؤثر حب الخفض (5) والراحات ، وكل ما كان لها فيه (6) من عاجل سرور وفرحات ، بغلبة غالبة لها عليها ، وصغو مصغ شديد إليها ، فإن أهملتم أنفسكم أغارت غارة السبع في شهواتها ، وملكتها الغفلة فخالفتكم في أكثر حالاتها ، وإن انتبهتم وحذرتم ، قويتم على بلوغ ما طلبتم ، وإن ونيتم وقصرتم ، وعميتم عما بصرتم ، غلبت عليكم غوالب الحيرة والهوى ، وأسلمكم الله إلى ما آثرتم عليه من غير
صفحة ٣٥٦