وآلة الخط القلم، وهو أشرف الآلات وأسبقها؛ أما أقسم الله به:
ن والقلم وما يسطرون (القلم: 1). أوما قال الرسول: «أول ما خلق الله القلم» (الذيل 12)؟ فالخطاط إذا خط طلب الخلوة لسكون القلب، فعمل عملا صالحا. من هنا تلك الرائحة القدسانية التي تغمر القلم، ألا ترى إلى الشاعر يقول فيه:
وذي عفاف راكع ساجد
أخي صلاح دمعه جاري
ملازم الخمس لأوقاتها
مجتهد في خدمة الباري (الذيل 13).
وبعد، كثيرا ما تزيغ الحروف عن مبانيها المتواضع عليها في رسم الهجاء، فتهيم على أهواء مخيلات الفنانين، فتندس في تراكيب مرتجلة سرعان ما تنقاد لعنفوان الاقتضاب، ومتى حرفت الحروف أو عرجت، حتى إنها تثبج وتعمى، منقولة من أفق ديني إلى صعيد دنيوي، بذلت لرغبة التوازن وسائل منقطعة النظائر، فيصبح جدول الخطوط مبعث اندفاعات لا تنفك تبث النشاط في جملة الصيغ الزخرفية (اللوح 4أ، 4ب). ومثل هذا الخط المستطرف كمثل «الرمي» من الرقش؛ إذ إنه متى خرج على أحكام الترتيب لعناصر الصورة دنا من «الفن المجرد»، وربما شارك «الرمي» في هذه الجهة، فينضم إليه، حتى يحسن الدخول إلى منازل النهج العقلي (اللوح 13أ، وتزويقة الغلاف العربي، والغلاف الإفرنجي).
9
إن هذا الجو الذي يحف به الدين، مباشرة أو مداورة، يهب له قدرة تترفع عن الأشباه، وهذا يعلل ما يبدو في ضروب التنميق من ضياع شخصية الفنان؛ فجميع المنمقين - وقد حثتهم فطرة غامضة - يغترفون من فيض روحاني واحد، ويستنبطون من جوف الواقع المحقق لحظات متوافقة وهيئات متطابقة، وهم في ذلك الاستلهام يجعلون إيمانهم أمرا محصلا بين أيديهم. وإذا أتت ساعة الإنجاز عاد الفنان - على غير تفصيل ولا تمييز - إلى سلامة سريرته؛ ذلك بأن الإنسان إن سولت له غريزته الغرة أنه يسع الأشياء كلها فسرعان ما يتجلى له، حين يتفكر فيسلم لربه، أنه لا يسع شيئا؛ ذلك شأن الذين آمنوا واتقوا
والله من ورائهم محيط (البروج: 20)، الله الذي قال:
صفحة غير معروفة