37

سر يؤرقني

تصانيف

المشي على الماء

لا تزال هذه البقعة من البلدة مأهولة بالكثير من كبار السن، بالرغم من انتقال العديد منهم إلى البنايات الشاهقة على الجانب الآخر من المنتزه. وكان لدى السيد لوهيد عدد من الأصدقاء، أو إن شئنا الدقة، عدد من المعارف الذين كان يقابلهم يوميا أو نحوا من ذلك في طريقه إلى وسط البلدة أو عند محطة الحافلات أو على كورنيش البحر. في بعض الأحيان كان يلعب معهم الورق في غرفهم أو شققهم. كان عضوا في نادي البولينج وفي ناد كان يجلب أفلام الرحلات ويعرضها في قاعة بوسط البلدة خلال فصل الشتاء. وقد انضم لهذه الأندية ليس رغبة منه في الانفتاح الاجتماعي بقدر ما كان إجراء احترازيا للتغلب على ميوله الطبيعية التي ظن أنها ربما تقوده إلى العزلة المفضية إلى نوع من الرهبنة. إبان سنوات عمله في الصيدلية تعلم كيف يجتاز كل أنواع المحادثات مع كل أنواع البشر، والمرور عبرها بدماثة خلق مع احتفاظه بأفكاره الخاصة لنفسه. وفعل الشيء نفسه مع زوجته. وكان هدفه من ذلك أن يعطي الناس ما يعتقدون أنهم يريدونه، فيما يحافظ هو على عزلته دون أن يقض أحدهم عليه مضجعه. وباستثناء زوجته، لم يشك إلا قليل من الناس فيما كان يضمره. أما الآن وبعد أن كان غير مضطر لأن يعطي أي شخص أي شيء، بالطريقة اليومية العادية؛ فقد وضع نفسه في موقف يجعله مضطرا إلى ذلك من حين لآخر؛ إذ كان يؤمن بطريقة أو أخرى أن هذا خير له لا محالة. فلو ترك الخيار بيده، من ذا الذي سيتحدث إليه؟ لن يكون أمامه سوى يوجين. وهذا من شأنه أن يمثل مصدر إزعاج ليوجين.

على كورنيش البحر سمع السيد لوهيد للمرة الأولى عما يطرحه يوجين. «يقول إن بمقدوره المشي على الماء.»

كان السيد لوهيد متأكدا أن يوجين لم يقل شيئا كهذا. «إنه يرى أن الأمر مرتبط كلية بطريقة تفكيرك في وزن جسمك، وما من شيء لا يمكنك التحكم فيه إذا عزمت على ذلك. هذا ما يقوله.»

كان هذا الحديث يدور بين السيد كليفورد والسيد موري الجالسين على المقعد الحجري يلتقطان أنفاسهما. «العقل فوق المادة.»

وجها الدعوة للسيد لوهيد للجلوس معهما، لكنه بقي واقفا. كان طويلا ورفيعا، وإذا حافظ على وتيرة معقولة من سرعة الحديث لا تنقطع أنفاسه.

قال لهما: «يتحدث يوجين كثيرا عن هذا الشيء، ولكنه من باب التفكر وحسب.» لم يهتم لرأيهما في يوجين بالرغم من معرفته بأنه مبرر في جزء منه. واستطرد: «إنه ذكي جدا. إنه ليس معتوها أخرق.» «سيتعين علينا أن ننتظر إثباتا لتحديد قرارنا حيال ذلك.» «واحد منا معتوه أخرق إما أنا أو هو، وإلا فهو يسوع المسيح.»

قال لوهيد بحذر وبنبرة متوجسة: «أي إثبات تنتظران؟» «إنه ذاهب لإثبات المشي على الماء قبالة رصيف روس بوينت.»

قال السيد لوهيد إنه واثق من أن يوجين كان يمزح، ولكن السيد كليفورد والسيد موري أكدا له أنها ليست مزحة، بل مسألة جدية (السيد كليفورد والسيد موري كانا يضحكان قليلا ويهزان رأسيهما بمرح وهما يقولان إنها مسألة جدية، بينما كان السيد لوهيد مقطب الجبين ومتحفظا وهو يقول إنها مزحة). كانوا في يوم الجمعة، والوقت المحدد صبيحة يوم الأحد، في تمام الساعة العاشرة حتى يتمكن بعض الناس من الذهاب إلى الكنيسة بعد انتهاء عرض المشي بالنجاح أو الفشل. ولكن، وكما شك السيد لوهيد، فلا السيد كليفورد ولا السيد موري قد سمعا فعلا بتلك الترتيبات التي يجري إعدادها، وإنما سمعا بها من شخص آخر؛ لقد سمع السيد موري عنها وهو يلعب الورق مع الأصدقاء، أما السيد كليفورد فسمع عنها في غرفة القراءة البريطانية الإسرائيلية. «الجميع يروجون للأمر في كل مكان.»

قال السيد لوهيد باقتضاب: «حسنا، ولعل حديثهم عن الأمر سيتوقف أيضا عندئذ؛ لأن يوجين ليس بأحمق، أو على أي حال ليس بتلك الحماقة.» ثم استأنف المشي، وعاد إلى المنزل عبر طريق مختصر غير الذي اعتاد أن يسلكه. •••

صفحة غير معروفة