102

سر يؤرقني

تصانيف

فتى مكتنز الجسد. على متن الطائرة، كانت إيلين تحاول أن تتخيل صورة واضحة له، كان شعره الأشقر الطويل غير المسوى، مربوطا بشريط إلى مؤخرة عنقه، مثل شعر أمه، ولكنه لم يشارك شباب جيله ذوي الشعر الطويل نفس الاهتمامات والأفكار؛ فلم يكن لديه أي اهتمام بالحالات المتغيرة من الوعي والإدراك، أو المفاهيم السامية، بل شغل نفسه بالمسائل الدنيوية والمادية، والاهتمامات العلمية، بالرحلات إلى القمر، والرياضة (كمتفرج فقط)، وحتى سوق الأوراق المالية. كان مثل أبيه في دأبه الحثيث، ربما متحمسا، جامعا ومتعلقا وساردا للتفاصيل. كان يستمتع بالشرح، وكان لديه القليل من الأصدقاء. كان يتجول حول المنزل تكتنفه هالة من التحفظ والاستبداد، ويشرب الكولا الخالية من السعرات الحرارية. إيوارت وجون كانا دائما ما يملآن نهايات الأسبوع والعطلات الرسمية بالنشاطات الأسرية، كانا يمتلكان مركبا للإبحار، كانا يذهبان إلى تسلق الجبال واستكشاف الكهوف، كانا يمارسان التحليق والتزلج ومؤخرا اشتريا دراجتين ذواتي عشر سرعات. افترضت إيلين أن دوجلاس كان يشارك في كل ذلك؛ إذ كان من العسير أن يتجنبه، ولكن جسمه الثقيل ونمط حياته المفتقر للحركة أثارا شكوكا حول مدى إخلاص وعمق تلك المشاركة. كان قد ذهب إلى المدرسة التجريبية التي اعتمدت اعتمادا كبيرا على مساعدات والديه المالية. ربما لم يكن ذلك الإصرار على الحرية، تلك الجهود المبذولة من أجل الإبداع، مناسبة له. لم يكن بوسع إيلين إلا أن تخمن ذلك فقط؛ إذ لم يكن ثمة شيء في دوجلاس يشير إلى هذا. لم يكن دوجلاس شاعريا بدرجة كافية في أي وقت مضى لكي يرى نفسه كمتمرد، كمتشكك في هذه المعتقدات التقليدية.

جلس أبوه القرفصاء لكي يلمس الشجيرات، أظهر لها أنواعا كثيرة من أوراق الشجيرات، متحدثا عن متطلباتها المعقدة، عن تحليل التربة، والماء والتغذية التي أعطاها جميعا اهتمامه. هو لم يكن من نوع الرجال الجذابين جنسيا. ولم لا؟ هل السبب هو مؤخرته العريضة ومظهره الضعيف الأشبه بالخنزير؟ في مرة قالت جون لإيلين إنها وإيوارت ذهبا لمشاهدة فيلم إباحي في السينما، مع أزواج آخرين مما كان يطلق عليه مجموعة التنمية في الكنيسة التوحيدية، كانوا مهتمين باستكشاف المحفزات الجديدة. كانت إيلين قد قالت هذا للناس، عن أختها، فجعلت منها أضحوكة، والآن هي تعتقد أنها كانت مخطئة في سخريتها، ليس لأنها بهذا كانت غير لطيفة، مثلما كانت تشعر ووخز الضمير يعتريها في ذلك الوقت، ولكن لأنها كانت جاهلة. لم تكن الجدية مدعاة للضحك. كان هناك نظام لتصنيف الأشياء يضع كل شيء في خدمة مقاصده، لم يكن بإمكان شيء أن يوقفه، لا الحدائق اليابانية أو الأفلام الإباحية أو حتى الموت العرضي. كل ذلك تم تقبله، هضمه، تعديله، استيعابه، ثم تم تحطيمه. •••

بعد مراسم التأبين كان المنزل يعج بأصدقاء جون وإيوارت وجيرانهما وأصدقاء أبنائهما المراهقين. كان المراهقون في الطابق السفلي في غرفة الاستجمام، قبالة المدفأة الحجرية الممتدة من الأرض إلى السقف، الكثيرون منهم ادعوا أنهم كانوا أصدقاء دوجلاس، ربما كانوا كذلك، وجاءوا معهم أيضا بالقيثارات، وأجهزة التسجيل، والشموع. فتاة واحدة جاءت ملفوفة في حشية من الريش، وسألت عند الباب بصوت رقيق: «هل هذا هو المكان الذي يقيمون فيه مراسم التأبين؟» وأخريات ارتدين شالات بأهداب وملابس مهلهلة تجرجر على الأرض. لم يبدوا مختلفين عن الأكبر منهم كما كانوا يتمنون. في الطابق السفلي أشعلوا الشموع، وأطفئوا كل ما عداها من أضواء باستثناء الضوء الصادر من نار المدفأة، أشعلوا البخور، وغنوا وعزفوا على آلاتهم، فيما كانت رائحة البخور تنتشر في أرجاء المكان محدثة تأثيرا كتأثير رائحة الماريجوانا.

وهو المشهد الذي علقت عليه امرأة طويلة الشعر، رثة الملابس، تلتحف أيضا بشال، متكئة على الدرابزين: «هذه طريقتهم في توديع دوجلاس. ويا لها من طريقة جميلة حقا تهز المشاعر!»

ولكن هل كان دوجلاس سيهتم بذلك، بمراسم التأبين تلك؟ لم يكن ليقول أي شيء، بل كان سيبقى معهم بعض الوقت، على أي حال، من باب الأدب؛ بعدها ربما كان سيذهب إلى غرفته ومعه الجريدة لقراءة صفحة الاقتصاد.

أردف رجل يقف خلف تلك المرأة، قائلا: «إن معهم سيجارة أو اثنتين محشوة بالمخدرات، رائحتها تبدو كذلك.» واستنتجت إيلين من عدم رد المرأة، ومن الطريقة التي اقتربت بها منه بوجهها وبسائر جسدها، أنه زوجها بالتأكيد. وعلى عكس زوجته؛ فقد جاء مرتديا ملابسه بشكل محافظ، كان يبدو كما كان الرجال قد تعودوا الظهور في الجنازات. مثل هؤلاء الأزواج كانوا شائعين في هذه الأيام؛ الزوج المسئول، المحترم، سريع التأثر، طويل الشعر قليلا، وقصير السوالف ، أكمامه نظيفة ومربوطة، تحيط به هالة حقيقية، وإن كانت مؤسفة، من المال والسلطة، هالة سخيفة أو لها ما يبررها؛ أما الزوجة فتبدو لا مبالية، لا تضع إلا قليلا من مساحيق التجميل، تعوزها الرزانة، تجرجر ملابس توحي بالفقر المدقع. من آن لآخر، كان يأتي زوجان متناقضان؛ الزوجة تتشح بقلنسوة وترتدي زيا فاتح اللون وتضع في أذنيها أقراطا صغيرة، أما الزوج فيلبس سترة مخملية مطرزة، مطوقا عنقه بالتمائم والصلبان المتلألئة فيما بين شعيرات صدره.

انتقل هذا الزوج هو وإيلين إلى غرفة المعيشة، التي تعج بأناس على هذه الشاكلة، شالات وقفاطين، ملابس قطنية موشاة من الهند، بنطلونات من الجينز. لم يكن صعبا، منذ عامين أو ثلاثة أعوام مضت، تمييز أصدقاء إيوارت وجون الأغنياء عن التوحيديين، أصدقاء «مجموعة التنمية»، أما الآن فقد بات هذا مستحيلا؛ نظرا لأن بعض هؤلاء أصبحوا ربما ينتمون للفئتين معا.

كان إيوارت يتحرك فيما بينهم يقدم لهم المشروبات، فيما كانت جون في غرفة الطعام، إلى جوار المنضدة حيث القهوة والشطائر؛ ولفائف النقانق ولفائف الهليون. كانت قد وجدت بعض الوقت لعملها. كانت ملابسها جميلة: فستان طويل منسوج يدويا من اللونين الذهبي والبرتقالي ودثار طويل متناسق مع لون الفستان، سميك وقوي، مكسيكي أو إسباني الطراز. أما جفونها المطلية باللون الأخضر الفضي فكانت مفاجئة وخاطئة تماما، وهي الخطأ الوحيد الذي يشي بتسرعها واضطرابها.

قالت لأختها: «هل أنت بخير؟ لم أستطع أن آخذك في جولة وأقدمك للناس، لقد تركتك تتصرفين من تلقاء نفسك.»

فردت إيلين قائلة: «أنا بخير تماما. أحتسي الشراب.»

صفحة غير معروفة