كان نحيلَ الجِسْمِ، كبيرَ الرُّوحِ، ولو تهيأ لجمال الدِّين مثلَ صلاح الدِّين لسرت أفكاره أكثر مِمَا سَرَت، وراقت أسفاره أكثر مِمَّا وُفِّقَ إِليه؛ ولكن إِذا عَظُمَ المطلوبُ قَلَّ المُسَاعِدُ.
وقديمَا زكا غَرْسُ العلم في الشَّرْقِ في ظل الملوكِ والأُمراء، واليوم يزكو في الغرب في حمى الجامعات والمجامع والجمعيات، والعلم مد كان محتاج إِلى العلم.
• بَرَزَ الفقيدُ الرَّاحِلُ وأيّ تبريزٍ في علوم الشَّرع وما إِليها، ولم يَفُتْهُ النَّظَرُ في علوم المدنية، فَألَمَّ بأَكثرها إِلمامًا كافيًا؛ لتكونَ له عونًا على فهم أسرارِ الشَّريعة.
أَمَا وقد جمعَ الفضيلتين، فلا تَجِدُ لكلامه مسحةً من الجُمودِ المعهود لكثيرين ممن يقتصرونَ على العلم والعلمين، ويعدون ما عداهما لغوًا.
فهو عَالِمٌ دينيٌّ كَامِلٌ؛ ولكنه كان يقرأ العلوم المدنية، ويطالع صُحُفَها وَمَجَلَّاتِها، وكُتُبِها الحديثة كما يطالعها المنقطعون إِلى هذه العلوم وزيادة، ولا ينكر شيئًا يقال له عِلْمٌ أو فن، ولذلك لم يَمُجَّهُ العصريون ولا غيرهم.
• ربما قال من لم يعرف أن هذا كلامُ صدِيقٍ فُجِعَ بصديقٍ تسلسلت الصَّداقةُ بين بيتيهما منذ نحو ثمانين عامًا، وعينُ الحُبِّ رمداء، أما أنا فلا أُحِيلُ المعترض إِلَّا على الرُّجوع إِلى كُتُب الشَّيخ وقراءة بعض ما طبع منها، وتحكيمِ العَقْلِ والإِنصاف، وأنا الضَّامِنُ بأنَّهُ لا يلبثُ أن يُساهمني قولي ويُوقِنُ بأن المرحوم جَوَّدَ تآليفه التي تَنُمُّ عن عقله وَعِلْمِه أكثرَ مِمَا جَوَّدَها كثيرٌ من متأخري المؤلفين من بعد عصر السُّيوطي، ممن شُهِدَ لهم بالإِجادَةِ، ولو سَمحت له الحالُ أكثر مِمَّا سَمحت ومُتِّعَ بحرية
1 / 14