وللحال تولتها نوبة عصبية شديدة، فلم يجد الكاهن بدا من أن يقص عليها ما سمعه في الكنيسة مفصلا؛ ليذهب عنها روعها، فاستحلفها كتمان الأمر، وهكذا خان «سر الاعتراف» وفرط في أول وأقدس الواجبات الدينية التي فرضتها عليه وظيفته.
وكانت ابنتهما الصغيرة أرينا قد استيقظت على صوت المحاورة والبكاء، فهبت من فراشها، وبعثها حب الاطلاع إلى الإصغاء على باب الغرفة، فسمعت كل ما دار بين أمها وأبيها.
وأقبل يوم تناول القربان، فامتلأت الكنيسة بجماهير المصلين، وكانت فاننكا في مقدمة الصفوف جاثية أمام الهيكل ومعها أبوها وأركان حربه، ووراء الجميع خدمة القصر، وكانت أرينا وأمها من الحاضرين، فاشتاقت البنت أن تتبين وجه تلك التي سمعت والدها يقص عنها أفظع الأعمال، فتركت أمها تصلي واقتربت من الهيكل؛ لتشاهد فاننكا، ولكنها صادفت خدمة الجنرال فمنعوها من التقدم، لكنها قاومتهم راغبة المرور بين صفوفهم، فدفعها بعضهم بقوة؛ فسقطت وأصابت رأسها سلم الهيكل فانجرحت، وقامت الابنة تولول وتصيح ودمها يسير، وأخذت في سب الخادم الذي دفعها قائلة: إنك أحقر من أن تتجرأ على مثلي، أفمعجب أنت بلحيتك؟ أم مفتخر بتبعيتك لتلك السيدة التي أحرقت الحانة الحمراء؟
وكان السكوت شاملا والقوم في انتظار الصلاة، فوقعت هذه الكلمات كالرعد، وسمعها كل من في الكنيسة، وفي الحال تبعها صوت مزعج صادر من جهة الهيكل، وكانت تلك فاننكا قد أغمي عليها.
الفصل الثامن عشر
وفي الغد تمثل الجنرال شرميلوف بين أيدي القيصر بول الأول، فأبلغه قصة فاننكا كما روتها له الفتاة؛ لأنها لم تستطع أن تكتم ما بها طويلا؛ فأعلمت أباها في الليلة التي تلت حادثة الكنيسة بأمرها جميعه، ولم تخف عنه شيئا.
ولبث القيصر برهة مفكرا فيما ألقي على مسامعه من الحوادث، ثم هب عن مقعده وقصد مكتبة فتناول قرطاسا كتب فيه القرار الآتي:
لقد هتك البوب حرمة ما كانت لتهتك، حيث خان سر الاعتراف، فينفى إلى سيبريا وتلحقه امرأته؛ لأنها شاركته في الجريمة، حيث لم تحترم سرا من أسرار وظيفته فاضطرته إلى إفشائه، وتلحق بهما ابنتهما الصغيرة.
وتنفى أنوشكا الوصيفة إلى سيبريا أيضا، حيث لم تخطر سيدها بسيرة ابنته.
وإني حافظ كل اعتباري للجنرال، بل أتأسف وأشاطره الحزن على ما أصابه.
صفحة غير معروفة