سر الفصاحة
الناشر
دار الكتب العلمية
رقم الإصدار
الطبعة الأولى ١٤٠٢هـ_١٩٨٢م
أخرى على الأخدع في الدهر لأن أبا تمام قد استعمل ذلك ويبنى غيره على قول هذا المحدث استعارة أخرى بعيدة ويؤول هذا إلى ما لا نهاية له حتى يفسد الكلام وتختل العبارة ويذهب التمييز في الوجوه المحمودة والذميمة فإن أجاز ذلك بأن فساد قوله لكافة العقلاء وأن امتنع منه وقال لا بد للاستعارة من حقيقة يرجع إليها ويكون بينهما شبه ظاهر وتعلق وكيد قيل له: فبهذا نخاطبك وله قطعنا على قبح استعارة أبي تمام للدهر أخدعا فاعرض الآن عن هذا التعليل منك بالباطل جانبا فإنه غير لائق بك وبمن يجرى مجراك من أهل العلم بهذه الصناعة ثم ما الفرق بينك فيما ذكرته وبين من عذر القائل:
باض الهوى في فؤادي ... وفرخ التذكار
وقال: لما كانت العادة جارية في الهوى أن يقال حل في الفؤاد وأقام وليس بزائل ولا ذاهب وكان الطائر ذو البيض أو الفراخ شديد المقام على وكره والألف له والحنين إليه ترخص بان استعار للهوى باض وللتذكار فرخ كناية عن مقامهما وثباتهما في فؤاد وتشبيهًا بما ذكرناه من حال الطائر فإن ادعى صحة هذا التخريج وألحقه بما ذكره في بيت أبي تمام وجب الإمساك عنه وإن أفصح بخلافة للعلة التي بيناها فهي موجودة في الأبيات التي ذكرها على أنه قال في آخر كلامه: إن هذه أمور لا تحمل على التحقيق ولا يتبع فيها الرخص ثم حملها على أشد الرخص إحالة وفسادًا.
ومن التوسط الذي حمده وأشار إليه أن لا يتعدى في الاستعارة حدها ولا يعدل بها عن منهجها.
فأما قول أبي الطيب:
وقد ذقت حلواء البنين على الصبا ... فلا تحسبني قلت ما قلت عن جهل١
١ هذا البيت من قصيدة له في رثاء لسيف الدولة والحلواء الحلاوة.
1 / 134