فحتى ابنه «الصحصاح» الذي كان قد أخذ مكان أبيه في حكم اليمن، بدا عاجزا إزاء فداحة الكارثة التي حلت بالتبع وجنوده في ربوع الشام وفلسطين والبقاع.
ورغم ذلك ظلت البسوس لا هدف لها سوى الانتقام الأسود على ما حل بابن أخيها مهما طال الأمد. - أبدا، لن تخبو نيران قلبي، إلا وكليب ممدد مقطوع الرأس بيد عبدي هذا.
بل هي مضت تصب لعنتها على كل من تقاعس أو تكاسل في الحرب وأخذ الثأر للحميريين المنكوبين، نتيجة الغدر والخيانة. - الدس في المضاجع.
وكانت كلما تدافعت إلى قصرها وفود المعزين، التهبت نيران أحقادها أكثر وأكثر، مهددة: ألم يعد هناك رجال في حمير؟ أين الرجال؟ أين؟
الآن جاء دور النساء، ولا غيرهن.
إلا أن المصائب وتوقيتها لم تمهل البسوس؛ إذ سرعان ما تواترت الأخبار بمقتل «الصحصاح» ابن أخيها حسان ذاته، ليلحق بأبيه في قصره المنعزل على أيدي حلفاء التغلبيين الفلسطينيين والدمشقيين وعيونهم الذين أصبحوا يتطلعون إلى ربوع اليمن ذاته. - النكبة ذاتها.
وهكذا انفرط لوهلة، عقد حمير، وأصبح يدعو إلى كل مخاطر وتخوف ورثاء، مما دفع بالبسوس وشيوخ القبائل إلى التعجيل برأب الصدع، والبحث المضني، قبل أي شيء، عن مخرج من أهوال تلك الكارثة التي حلت دفعة واحدة بعرش التباعنة.
هنا تطلعت الأنظار لتحط على رأس «ذو اليزن» الصبي الذي لم يكن ساعتها قد بلغ الحادية عشرة من عمره، إلا أنه كان منذ صغره متماسكا يحوي حكمة الكبار، وتنبئ ملامحه عن البأس الذي عرف عن التباعنة، منذ عبد شمس أو «سبأ».
وعلى الفور أجمعت الآراء على المنقذ الجديد وهو «ذو اليزن» ابن عمرو - المغدور - الذي اشتهر ب «مزيقيا» أو الممزق، ليعتلي عرش التباعنة في تلك السن المبكرة، إنقاذا لليمن والجنوب العربي، بل وجزيرة العرب بأكملها وهي على تلك الحال من التفكك والاضطراب.
فجرت مراسيم تنصيب الملك الجديد ذو اليزن خافتة مبسطة من دون احتفالات وصخب وقرع طبول الرجروج، وذلك بسبب الحزن الذي ألم بالجميع عندما علموا بمصرع التبع حسان وولده الصحصاح، ولما ألم بعرش التباعنة.
صفحة غير معروفة