وراحت الجليلة تروي على التبع نكات ومداعبات مهرجيها وتهكماتهم الذكية وخاصة هذا «القشمر»، مشيرة إليه بساعدها الخمري اللون البض الملمس.
فاندفع «قشمر بن غرة» من فوره قافزا راقصا هازلا تحت رقع ثيابه، متمنطقا جلد النمر ومتقلدا سيفه الخشبي وسوالفه مدلاة كمثل «كبش». - من يناديني ... من ... من؟ - اسمع يا قشمر. - سيدتي، مولاتي.
مضى المهرج مشهرا سيفه الخشبي، ممتطيا عصاة الجريد كمثل فارس مغوار يجري في هزل.
وحين أغرقت الجليلة في الضحك إلى حد الارتماء امتدت يد التبع ساندة لها في حنو: حقا إنه يضحك طوب الأرض يا جليلة. - حقا بهلول نادر. - يزيل الغم ويفرج الكرب.
واندفعت تحادث التبع المنتشي عما حدث لها من رعب خلال الطريق، إلى أن ضاقت بها السبل فأعادها إلى حيث البهلول والمرح والغناء وليلة العمر هذه. - لننس ما مضى يا جليلة يا حبيبتي.
هنا كان المهرج قشمر قد أوصل الجليلة والجميع إلى أقصى حالات الاستغراق في الضحك الذي لم يخل من مجون، إلى أن تجرأ معبرا عن نفسه بعد تصنعه الخوف والهلع طويلا من التبع وهيبته وتاجه. «فمضى من فوره راقصا بسيفه الخشبي، وكان تارة يبحلق عينيه، ويدق الأرض برجليه ويديه، وتارة يقول: أين الفرسان الفحول؟ أين ابن عطبول؟» «وكثيرا ما يرقص ويضحك بلا سبب، وهو راكب الفرس القصب، إلى أن اندهش التبع من أعماله، واستغرب أحواله وأقواله.»
بحث التبع فجأة بعينيه عن وزيره حنظلة فلم يجده، هنا شاغلته الجليلة وهي تلاطفه: تعبانة.
عندئذ تدخل «قشمر» عابثا مضاحكا قائلا: إن كنت تريد الطرب الآن، فمر سيدتي الجليلة تغني لك، فإن صوتها مليح ولفظها فصيح.
وطلب التبع منها أن تغني، فهو ينتظر على أحر من الجمر سماع صوتها وأشعارها وإنشادها.
هنا واصلت الجليلة تدللها مدعية الحياء والخجل من جموع الموجودين، مطالبة بإغلاق الأبواب حتى لا يسمع أحد.
صفحة غير معروفة