وكذلك حادثها عن مدى إعداده لكتائبه المرابطة على طول الطريق بين بيروت ودمشق بسرية مطبقة.
وكانت الجليلة كثيرا ما تستوقفه مستوضحة طارحة مختلف ظروف الاحتمالات، ومنها إمكانات الانكشاف والفشل لخطتهما بالغة السرية على نحو يثير كل حمية كليب وتوقده وإحكامه لاحتمالات الوصول إلى رأس التبع الطاغية الغازي؛ ليجزها جزا متخذا مكانه إلى جانب الجليلة في حكم الشام وفلسطين، وإنهاء سطوة ذلك الغازي الذي أتت جيوشه على كل أخضر ويابس في بلادهم، والذي يصل به تسلطه إلى حد التفريق بين حبهما وهما اللذان سبقا أن تحديا به كل الحروب والعداوات بين قوميهما.
حتى إذا ما شارف اللقاء بين الجليلة ومحفوظ أو كليب بن ربيعة نهايته وطواهما الصمت الطويل داخل ذلك الكوخ المشرف على البحر المتلاطم قاتم الزرقة، وهما هائمان في أبعاد خطتهما وتفاصيلها، احتضن كليب الجليلة مودعا إلى أن حملها حملا بين ذراعيه، ليركبها حمارها المطهم، عبر الصمت والظلام المخيمين.
الفصل الثامن
العرس الدامي
لعلها كانت أصعب عملية اضطلع بها وزير التبع حسان، تلك التي كلفه بإنجازها منذ أن التحق بخدمته، وهي عملية الإعداد لمراسيم زواجه تلك الليلة الليلاء.
فمنذ مطلع النهار، وطلبات الملك وأوامره المتسمة بالعصبية والقسوة لوزيره «حنظلة» لا تنتهي ما بين اختيار المدعوين من ممثلي القبائل والعشائر والأمراء والقواد، والتوقف طويلا أمام كل اسم ولقب وقبيلة وقوم، واستقبال الوفود المحملة بالهدايا، ونحر الذبائح وإعداد قصور الضيافة، واستقدام كبار الفنانين، من شعراء ومغنين ومنشدين وراقصين لإحياء الحفل، من مصر وسورية وفلسطين وربوع اليمن.
ناهيك عن مطالب العروس ذاتها، وأهلها - بني مرة - التي أصبحت في الأيام الأخيرة لا تقف عند حد ومطمع.
والملفت في الأمر أنها مطالب غريبة تدفع إلى كل سخط وشك، إلا أن «التبع» لم يعد يسمع لأحد نصحا أو مجرد رأي بسيط سواها. - الجليلة بنت مرة ومراسيلها ومعلقاتها الطاغية.
تلك الأميرة - اللبنانية - التي سحرته بشعرها ومعسول قولها، قبل محاسنها، فكان أن أحبها التبع من قبل أن يراها أخذا بالقول المأثور: «والأذن تعشق قبل العين أحيانا.»
صفحة غير معروفة