سيرة الملوك التباعنة: في ثلاثين فصلا

شوقي عبد الحكيم ت. 1423 هجري
173

سيرة الملوك التباعنة: في ثلاثين فصلا

تصانيف

ففي مصر العدية ارتفعت شعبية الملك سيف بن ذي يزن، وهو الذي سبق أن أنقذهم من عدوهم المتجبر ملك الأحباش سيف أرعد، قاطع ماء النيل وها هو يتصدى للغزاة الجدد من الفرس فيرحل إليهم بجيشه الكبير لينقل المعارك الطاحنة إلى ديارهم وحصونهم ويعود مظفرا بالنصر. - أبو الأمصار.

حتى إذا ما انتهى سيف بن ذي يزن من تحييده للعدوان - الفارسي - المبيت، عاوده صفاؤه فانكب على كتاب النيل، مجريا أنهاره وسدوده وخزاناته في كل أنحاء البلاد، في الدلتا والصعيد ومصر والوسطى، فعم الرخاء البلاد، بعدما تزايد ارتفاع منسوب ماء النيل.

وتم التحكم في تخزين وتصريف المياه بما يحقق الاخضرار والنمو.

ورغم ذلك لم يتوان سيف بن ذي يزن عن تقديم كل رعاية لجيشه الموحد، الذي انتظم المصريون تحت لوائه جنبا إلى جنب مع عرب الجزيرة العربية، والأفارقة والمغاربة، ومن هنا فقد أطلق عليه المصريون لقب: أبو الجيوش.

فكان يجري تدريباته بجبل المقطم الذي عرف جزؤه الأعلى بجبل الجيوش نسبة إلى الملك سيف، وذلك تحسبا لأي عدوان قد يجيء يوما من جانب الأحباش، أو من جانب الفرس، خاصة الذين كانوا طوال حياته لا يأمن جانبهم وأطماعهم رغم انتصاره الأخير عليهم وقتله الكسرى الملقب بالبهلوان، وتعيينه واليا عربيا على خراسان.

فكان الملك التبع سيف بن ذي يزن، أول من فرض على المصريين نظام التجنيد الإجباري، وإعداد العدة لبناء جيش لا يقوم في معظمه على المرتزقة، بل على المصريين أنفسهم، جنبا إلى جنب مع جيشه هو أي سيف - الذي أبقى على بعضه في عاصمة التباعنة أحمرا - بأفريقيا.

وكان يحضر بنفسه تدريبات جيشه محاطا بكبار قادته ومستشاريه، وأخصهم الأمير الأفريقي الذي أصبح مقربا منه - الميمون - والذي كان قد بعثت به زوجته - شامة - ليعضد من ساعده في حروبه ضد الأحباش، فيما بعد بالكثير من المهام الجسيمة، ومنها حربه الأخيرة في خراسان، حتى إن سيف بن ذي يزن امتدحه قائلا: الميمون هو ساعدي الضارب.

إلا أن الميمون عاد من تلك الحملة ضد الفرس جريحا ينزف من أثر إصابته البليغة من جراء منازلاته ومعاركه ضد «صارخ البهلوان» الفارسي، مما أوغر صدر الملك سيف ضده، إلى حد منازلته هو بنفسه في خراسان وقتله وفرض الجزية على قومه.

واستقدم الملك سيف لقائده المسجى - الميمون - أشهر حكماء وأطباء عصره من الشام والهند ومصر للإشراف على علاجه، وكان لا يكف عن زياراته له رغم مهامه الكثيرة، خاصة بالنسبة إلى تلك الأحداث المستجدة التي اندلعت في كثير من مناطق «موطن التباعنة» في اليمن والجنوب العربي، مطالبة بضرورة عودة تبع حمير للإقامة الدائمة باليمن، وليس في مصر أو أفريقيا.

وهي الفتنة التي لجأ إليها الفرس، وأضرموا لهيبها على طول مناطق اليمن والجنوب، في عدن وحضرموت وصنعاء وسبأ وذي رعين، وحتى يثرب شمالا، وذلك لكي يرغموا التبع على التخلي عن حكم مصر واتخاذه عاصمة جديدة للتباعنة، بما يسهل عليهم إعادة حكمها.

صفحة غير معروفة