سيرة الملوك التباعنة: في ثلاثين فصلا

شوقي عبد الحكيم ت. 1423 هجري
160

سيرة الملوك التباعنة: في ثلاثين فصلا

تصانيف

هنا بدا المشهد في عين الملكة الأم قمرية، أقرب إلى الحسد المحمل بكل زهو وإكبار. - تبع حمير المنتظر ... ولدي!

فاتسعت ابتسامتها وهي تشهد ما يحدث بين ابنها - العائد - سيف وبين فيالقه وكتائبه، بلباسهم المزين بالألوان التي يخالط فيها الأخضر الزمردي القاني، والأحمر الصارخ وقد شهروا سيوفهم؛ هكذا يدخل سيف بن ذي يزن مدائنه وقصر أبيه.

وبهر جنود أحمرا بدورهم مما يشهدونه غير مصدقين: إنهم يشهدون الآن وعبر أجيج المعارك المستعرة الضارية التي امتدت شهورا، تبعهم المنتظر. - سيف بن ذي يزن تحت أعلام التباعنة.

كان الفرسان يدورون بخيولهم من حوله - أي سيف - خالعين عنهم شارات التمويه والتستر بالأزياء الحبشية، رافعين رايات وبيارق التباعنة، وقد علت أناشيدهم المدوية احتفالا بالانتصار، في مشهد مثير صاخب بعث في جسد قمرية الذي أوهنته المعارك رعدة لم تكن تعرفها من قبل، في كل ما سبق لها أن واجهته وتصدت له، عبر حياتها الجسورة التي عاشتها. - ولدي العائد سيف. - تبع حمير العائد.

مضت قمرية تشهد عن بعد ما يحدث، من توافد فيالق وكتائب ابنها سيف بن ذي يزن، من كل جهة وصوب، نازعة عنها هي الأخرى شارات تنكرها تحت أزياء الأحباش وحلفائهم، ليحكموا خطة الكماشة المطبقة - من الخلف والأمام - على ملك الأحباش، منذ حط بجنوده داخل أحمرا ذاتها، فكان أن عجلوا بالنصر، غمغمت قمرية لنفسها: بل هم اقتنصوه.

حطت ببصرها عليه وهو يدور وسط حلقات فيالقه وكتائبه وجنوده، مشاركا في أغاني انتصاراتهم، مجللا من كل جانب بأعلام التباعنة وبيارقهم، إلى أن عم خبر عودة التبع العائد الذي فك حصار مملكة أحمرا، وأوقع بالأحباش الهزيمة، فتوافدت الجموع من كل جانب غير مصدقة، وتزايدت أغاني النصر وأفراحه متفجرة في كل مكان.

مما دفع بسيف إلى الاندفاع باتجاه أمه مطالبا إياها بالخروج لتحية جنوده وفرسانه والجميع، والمشاركة في احتفالات النصر في هذا اليوم الكبير معاودا إصدار تعليماته هنا وهناك، لمواصلة تصفية آخر قلاع وجيوب الأحباش، بل ومطاردتهم باتجاه الجنوب تمهيدا لأن يلحق بهم - أي بجنوده - قبل مطلع صباح اليوم التالي.

وانتهى سيف بن ذي يزن من متابعة مطاردة جيش سيف أرعد إلى داخل تخوم وحدود بلاده ذاتها، عبر معارك استخدم فيها الجانبان أقصى طاقات المقاومة، خاصة من جانب الأحباش الذين أفجعهم خداع سيف بن ذي يزن لهم بتنكره، وادعائه محالفتهم على ذلك النحو الصارم.

أما فاجعة ملك الأحباش سيف أرعد ووزيره سقرديون اللذين وصل بهما الغضب والحقد على التبع اليمني الجديد وغدره المتواصل بهما، إلى حد دفع بهما إلى خوض المهالك دون رحمة أو مهادنة في محاولات للإيقاع به أينما كان، وقبل استشراء خطره أكثر فأكثر عقب عودته عيانا جهارا لمنازلة الحبشة، وتحالفه مع أمه قمرية. - ستصبح الأذية أذيتين على رءوس الأحباش وكل الأفريقيين.

وهو ما تحقق بوصول إمدادات قمرية لمساندة ابنها في نقل المعارك إلى داخل بلاد الحبشة بدلا من أحمرا.

صفحة غير معروفة