وهكذا أمر ذلك التبع حسان بدق الطبول النحاسية العملاقة المعروفة لدى «تباعنة» اليمن «بالرجروج» وهو أعظم الطبول، كان يدقه عشر من العبيد الفحول، وهو من صنعة ملوك التباعنة العظام، وهكذا سار بالجيش إلى أن افتتح الشام وفلسطين.
وكما هو معروف تتشابك - أو تتزاوج - هذه السيرة المندثرة على طول البلدان العربية، التي لم أعثر لها على أثر خلال سنوات جمعي للمأثورات الشفهية والسير على مدى أربعين عاما، مع سير أخرى إلا في مخطوطة مكتبة المتحف البريطاني تتشابك مع سيرة أخرى تؤرخ لحرب البسوس القبائلية الشهيرة، التي امتدت 41 عاما على طول ربوع لبنان والشام وفلسطين.
أما الجزء الثاني من هذه السيرة فيتضمن تاريخ آخر التباعنة، وهو الملك ذو اليزن وابنه الملك سيف.
شوقي عبد الحكيم
القاهرة، يوليو 1996
الفصل الأول
حروب التبع أسعد اليماني في الصين
حين استشرى السقم والمرض بالملك - التبع - أسعد اليماني، الجد السالف للملك سيف بن ذي يزن، وهو يغزو بجيوشه المتحالفة الجرارة تخوم الصين آثر أمراؤه وقادة فيالقه الاجتماع والتشاور في ذلك المصاب الفادح الذي نزل بملكهم التبع أسعد، ومضى يمتص منه رحيق حياته يوما بعد يوم، حتى إنه لم يعد يقوى على القيادة والمنازلة واتخاذ القرار، ومواصلة الزحف المتلاحق لافتتاح المدن على طول غرب آسيا وأواسطها مرورا ببلاد الهند والسند وأذربيجان والتركستان، إلى أن وصلت جيوشه العربية إلى أعلى تخوم الصين.
وكان لا يكف لحظة عن معتقده الدفين الراسخ المتوارث عن جده الأعلى قحطان. - أيها الرجال، إنكم إن لم تحاربوا الناس حاربوكم، وإن لم تغزوهم غزوكم، لا مكان لمغلوب على ظهر هذه الأرض وما عليها من بشر ودواب.
الآن لم يعد الملك التبع يقوى على مجرد الكلام، بل لقد ثقل لسانه وبردت أطرافه، ولم يعد يشير إلى نبض الحياة فيه، سوى حدقتي عينيه الجاحظتين اللتين تتحركان في ريبة واستطلاع لكل ما يحيط به، وهو راقد على فراشه، حتى لوجهي ولديه «عمرو وحسان».
صفحة غير معروفة