كان عدد الجيش العثماني يربو على مائتي ألف جندي، وعدده 130 مدفعا منها ثلاثة كبار، يتولى خدمة أكبرها 400 جندي ويجره مائة رأس بقر، ويعتني بتمهيد السبل التي يمر منها مائتان وخمسون جنديا على ما يرويه التاريخ؛ ولذلك لم يتسن للجيش الوصول إلى أسوار القسطنطينية إلا بعد مسيرة شهرين كاملين.
وفي غضون الحركات العسكرية هجم قره جه بك - من الأمراء العثمانيين - على البلاد الباقية تحت حكم الإمبراطور، حتى تعداها إلى إياستفانوس ودوخها جمعاء (خلا سلوري وبوغادوس).
يرى الناظر الآن إلى أطلال القسطنطينية، ويستدل منها على أنها كانت محاطة بسور واحد من جهة البحر والخليج (القرن الذهبي)، وبأسوار وخنادق مزدوجة بعمق مائة قدم، وحصون منيعة من جهة البر، وبالإجمال فقد كانت المدينة مثلثة الأضلاع «سراي بروني، ديوانسراي، يدي قلة»، وكلها مجهزة بوسائط الدفاع.
أخذ الجيش العثماني بحصار المدينة، فعسكرت ميمنته التي تضم مائة ألف من المشاة أمام يدي قوله، وميسرته التي تجمع خمسين ألفا إزاء باب البلاط، وزغنوش باشا مع شرذمة قليلة في جهات غلطه، والسلطان نفسه خيم مع حاشيته التي لا تقل عن خمسة عشر ألف إنكشاري في قلب الجيش.
أما في البحر فقد رست ثماني عشرة سفينة وزهاء أربعمائة مركب لتشديد النكير وجلب الميرة والذخيرة، وكانت حامية القلعة تزيد عن ثلاثين ألف شاكي السلاح من الأهلين والغرباء.
بدأ الحصار وأخذت نار الجيش العثماني تتطاير على هام القلعة، والعدو لا يتمكن من مقابلته؛ لأن الحواجز المنيعة والسراديب الحربية التي رتبها الفاتح جعلت جيشه في مأمن من الخطر.
ولما ضاق العدو ذرعا هجم هجمة المستميت على خارج القلعة، وظن أن هذه الجرأة تفيده شيئا مذكورا، ولم يدر في خلده أن الجنود المحمدية لا تهاب الموت ولا تخشى الصدام، فهي تسعى إلى إحدى الحسنيين؛ الشهادة والظهور، فلما تناطحا مرة أو مرتين تأكد العدو بخلالها أن أمامه جيشا لا يشق غباره ولا تفل سيوفه عاد إلى مركزه بصفقة الخاسر.
وكانت الجهة البحرية من المدينة محاطة بحائط بسيط لا يعسر اجتيازه، لولا أن مدخل الخليج كان مسدودا سدا محكما بزنجير يتعذر كسره ويصعب قطعه، وكذلك جهتا لانغا بوستان وقادرغا، فإنهما كانتا مرفأين محصنين بخنادق ومعاقل عديدة، مما يجعل الجهة البرية أقرب منالا وأسهل تناولا إلى الحركات الحربية، فنقل الفاتح المدافع الثلاثة المذكورة إلى ما يقابل أكري قابو، وما لبث أن حولها إلى طوب قابو؛ لأن الإمبراطور حصن جهات أكري قابو تحصينا عارض حركات الفاتح ووقف في سبيل إطلاق مدافعه.
من الأمور المقررة أن كل اختراع حديث العهد لا بد أن تشوبه شائبة النقص، ثم يتحسن بالتدريج شيئا فشيئا تبعا لسنة الارتقاء، كذلك كانت حال المدافع المستعملة في الجيش العثماني، فإن حشو المدفع الكبير وانطلاقه كان يستغرق زهاء ساعتين من الوقت، وعليه كان لا يمكن استعماله أكثر من سبع أو ثماني مرات باليوم، وليس هناك واسطة لتبريد غليله وتسكين حرارته، فانفجر مرة وتمزق شذر مذر.
أتى هذا الحادث الجلل على السلطان في إبان الشدة وزمن الضيق فما ثبط عزيمته، بل أرشده إلى استعمال زيت الزيتون بالمدفعين الآخرين لحفظهما من خطر الانفجار، وأفلح في مسعاه.
صفحة غير معروفة