إلا أن التبع المتجبر قبض على أبي زيد وتابعيه من فرسان بني هلال، ووصفهم بالعبيد الجواسيس، وقادهم إلى المشنقة، لحين تدخل ابنه ووريثه الأمير الملقب بصقر الذي أنقذهم من المقصلة. «وإذا بصقر ابن الأمير شبيب أتى من الصيد والقنص، فلما نظر ذلك سأل عن الخبر فأخبروه بالأمر، فعند ذلك نزل عن ظهر الجواد إلى الأرض، وخلصهم وقطع المراس من رقابهم، فوصل الخبر إلى شبيب، فأحضرهم عنده في الديوان، ووبخ ولده على الشأن، وقال هؤلاء من بني هلال أعداؤنا، أوتوا إلى منازلنا والأطلال؛ لأجل أن يقتلوا الرجال، ويدعونا بأوشم الأحوال، قال صقر: يا أبي، ما عندي خبر من ذلك الأخبار، وهذا الأمر قد جرى، وصار شفعتي في هؤلاء الشعار وتبطل كلامي، ونقص بين الشباب مقامي، فالأوفق أن نبصر لهم إهانة ولا تقتلهم، وإلا يرموا عليهم رموز أسامي ما عرفوهم، فحينئذ قتلوهم. قال شبيب: هذا هو الصواب.» «ثم إنه التفت إلى أبو زيد وقال: يا صنديد ما كارك اليوم يا أديب؟ قال: شاعر لبيب. قال: مرادي أدعي شعرائنا وأحضرهم إلى دياره وأدعيهم أن يرموا عليك رموز ما عرفتهم، فإني أقتلك، قال أبو زيد: افعل ما تريد يا ابن الأماجيد. فعند ذلك أدعى الأمير شبيب إلى شعراء بلاده ، وكانوا أربعة وعشرين شاعرا، وكبيرهم يدعى صولجان بن ماهر، فلما حضروا أمرهم أن يرموا رموزا على أبي زيد ورفاقه، فأجابوه السمع والطاعة، فاحتبك الديوان في تلك الساعة، فالتفت أبو زيد إلى صولجان، وقال له: يا سيد الفرسان، مرادي قبل أن تبدي شعرا وقصيدة، تسير إلى موضعك، وتأتي لنا بطعام حتى يصير بينا خبز وملح. فأجابه بما قال، وسار إلى بيته في ساعة من الزمان، وأحضر إلى أبو زيد قصعة ملآنة عصيد، وفيها ملعقة، وقال: كل يا ابن الكرام. فأخذ أبو زيد شفقة برأس الملعقة وذاق شيئا قليلا، فوجدها مرة مثل الحنضل. قال: هذا زادك! قم يا ذليل يا مهان، وهات ما عندك من الأوزان. فعند ذلك تقدم الصولجان وأخذ الرباب، وبدأ حتى أطرب ذوي العقول والألبان. وأما أبو زيد فكان يراقب الكواكب، ظن أنه ينظر إلى بنات نعش أشار يقول:
رأيت ناظرا إلى بنات نعش
عن قبل العشي لحين تعشي
فهل عاديت نجم هواها
فهل من النعشات نعشي
فنحن في حمانا كل ما
نقري ضيفنا لحم ومحشي
فلما بصرك تقطع وتبلع
وكثر الزاد في المأكول يفشي
كأنك ضفضعة في قاع جب
صفحة غير معروفة