وأكبس لرجليه بوقت منام
فما فرغت سعدى من كلامها حتى شهقت وماتت، فقاموا عليها الصياح والنواح، ثم غسلوها ودفنوها، وصار حسن في قلبه من دياب نار، وأما دياب فإنه طغى في الحكم؛ لأنه ملك في آخر عمره، وكان يبغض على أهل العرب، وهم كلهم يبغضونه، وما عرف كيف يتصرف بالملك، فأفسد عليه أهل بني زغبة، وصاروا يوشون لهم حتى صاروا أكثرهم يبغضوه، ولكن ما حد منهم قدر أن يحكي كلمة؛ لأنهم يخافون من بأسه وسطوته، ودامت الأحقاد بين دياب وحسن وأبو زيد، ولكن في الظاهر كانوا يظهرون المحبة والمودة، ويخفوا ما في قلوبهم.»
خلافات بني هلال والهزائم
وعلى هذا النحو برزت الخلافات والأحقاد الدفينة بين قطبي التحالف الهلالي في مواجهة البلاد المفتوحة وأموالها وسباياها، وضاعف من حدة هذه الانقسامات المتفاقمة المهددة استثارة قبائل الزناتي، وعرب المغرب لها طلبا للثأر، مثلما حدث في حرب البسوس التي أذكت نيرانها لمدة أربعين عاما الكاهنة الملقبة بسعاد أو البسوس أخت التبع اليماني الذي اغتاله «كليب الفلسطيني» في دمشق.
وعليه استطاعت أخت الزناتي خليفة واسمها ست الغرب التنكر في زي شاعرة جوالة، أو بصفة شاعر لف، كما تدعوها السيرة، تمدح الأمراء إلى أن وصلت تونس، ودخلت على الأمير دياب بن غانم ديوانه فمدحته، وهنأته على قتله للخليفة الزناتي أعدى أعدائها. «وعزمته في ضياعها المخصبة الفواحة وقصرها بعين سلوان.»
وعندما راق للشاعرة المتنكرة بذور الحسد التي زرعتها فيما بينهم، واصلت تحريضهم لبقية القبائل.
وهكذا قال أبو زيد معرضا بدياب: «نحن ماسكين البقرة من رأسها، ودياب يحلبها من ذنبها.»
وهكذا تجمعت نوايا الحرب والعدوان بين دياب، والسلطان، وأبي زيد خاصة بعد أن أغار الأخيران على «بستان دياب المزهر، فحطموا شجره، وهدموا قصره، وردموا آباره.»
ونشبت الحرب لفترة محدودة بين السلطان حسن ودياب، إلى أن تمكن أبو زيد من عقد المصالحة بينهما في القيروان، إلا أن السلطان حسن دبر مكيدة لدياب تسوقها السيرة على النحو التالي:
وكان دياب لابس جبة من الحرير الأخضر، وشالح على كتفه برنس أحمر وعلى رأسه عمامة من البرفيل والأرجوان، ثم دخلوا على الأمير حسن، فترحب فيهم غاية الترحيب، وجلس دياب على كرسي من العاج كأنه الذهب الوهاج وقومه من حواليه، ثم أمر الأمير حسن بإحضار القهوة والكأس والشراب، وأحضر مائدة من الطعام مصحوبة بألف فارس ضرغام، أجلسوا على المائدة، وجدوا المناسف مغطاة، فرفع الأمير دياب الغطا عن المنسف، وجده فارغ من الطعام، وفيه قيود من الحديد، فقال الأمير دياب: «ما هذا يا حسن؟» فقالوا: «الواجب أن تتقيدوا إلى السلطان بالإطاعة، ولو ساعة.» فعندها وضع الأمير القيد برجله، وفعلت باقي الأمارة كفعله، وبينما هم كذلك إلا اندفعت فرسان دريد لداخل المكان، وبيدهم الخناجر والسيوف، ومن جرى من ذلك، فصار دياب كالملهوف، فعندها أمر الأمير حسن بنصب المشانق والحبال، وقال: «اشنق جميع هؤلاء الرجال.» فذبحوا ستين أمير، غانم ودياب والبقية أمر بشنقهم، أما الأمير غانم ودياب كاد تقفز مرارتهم من كثرة الحزن، ولكن ما طلع بيدهم شيء بحيث إنهم مأسورين وخاليين السلاح.
صفحة غير معروفة