الحمد لله وبه أستعين ، الحمد لله خالق السموات والارض وما بينهما، من الايات الدالات على حكمته، الشاهدات علم قدرته ، المنبهات علم وحدانيته، حسن نظم فطرته ، " لوكان فيهما الهة إلا آلله لفسدتا".
فسبحانه من مليك قدير ، وإله خبير . وصلى الله على محمد رسوله الامين ، وخيرته من العالمين ، المبشر بالجنة عباده المؤمنين ، وبالنار اعداءه الكافرين ، وعلى من نقدمهمن النبيين ، وعلى آله الطاهرين فهمت ما ذ كرت ، جعلني الله فداك ، في سيرة آل طولون ، سبب التأليف وانك قرآت كتاب أحمد بن يوسف في ذلك ، فلم يكنموقعه منك الغرض الذي إليه ذهبت ، ولا المعنى الذي له نحوت ، وأنك تريد ماهو آكبر منه شرحا ، وأكمل وصفا . وأن أحمد بن يوسف كان وفي شرح قصة ثم يرجع إلى ماهو قبلها ، وأنه كان يخلط اخباره. ، هياتي بقصة من قصصه التي تدل على ذكاء عقله وفطنته.
صفحة غير معروفة
ولطيف حسه ، ثم يأتي بضدها ، وآنه لم يات بجميع آخباره ، ولا أخبار أبي الجيش ابنه ، وماكان من جميل أفعاله ، وحسن آثاره ولا أخبار سائر إخوته بعده وقلت ما هكذا أرخ الناس الاخبار ، ولا عليه نظم العلماء الآثار ، وأردت أن يكون ذلك مستقصى جميعه ، وعلى ترتيب في شرحه ، ولا يذكر آخرا قبل آول ، ولا يقدم سالفا على انف وقد امتثلت أمرك فيما أردت ، وسلكت فيه الذي اخترت . ولم أدع من أخبار جماعتهم شيئا مثله يوثرخ وبه يتادب وله ليستحسن إلا ذكرته ، وجعلت ذلك أبوابا [ولم أذكر في] الباب ما ليس من شكله ، ولا خلطت به ماخرج [عن أصله ، وإن] ابن آدم لا يخلو من نقص ونقصير ، ولم يعر من ذلك العلماء الواصفون لشرائط الدين والمبلغون سنن المرسلين ، وكيف ما إن قصرعنه مقصر لم يوزر وإن بالغ فيه مجتهد لم يؤجر فأول ذلك ، أعزك الله ، أن المعتصم بالله ، لما اختص الاتراك ووضع من العرب ، فجعل الاتراك أنصار دولته ، وأعلام دعوته وبذلك احتج عليهم العلوي البصري فقال : واستفتحوا بالترك أمرهم لميستفتحوابالاوس ولا بالخزرج
صفحة غير معروفة
فكان من عظمت عندهم منزلته، وحمدت طريقته ، ألزموه خدمتهم وجعلوه الذاي عرعن بيضتهم ، وقلد الأعمال الجليلة الخارجة عن الحضرة 10، ، واستخلفوا له عليها الخلفاء ، وحمل إليه مالها ، ودعي له على منابرها فكانت سبيل مصر عندهم أن يحبى بها من صحت فيه هذه الصفة التي قدمنا ذكرها ، كما فعل هارون الرشيد بعبد الملك بن صالح والامون بطاهر بن الحسين ، والمعتصم بأشناس ، والوائق با يتاخ ، والمتوكل ببغا ووصيف ، والمهتدي بيارجوخ ، وكما قدم بغا وأتامش وغيرهما فقلدت مصر باكباك ، والتمس له خليفة فوجه به إليها وكان أحمد بن طولون قدمات أبوه في سنة أربعين ومائتين ولا حمد عشرون سنة ، من جارية كانت لا بيه تعرف بقاسم ، ولدت احمد في سنة عشرين وماثتين ، وولدت بعده اخاه موسى وحبسية وسمانة . وكان طولون من طغرغر ، حمله نوح بن أسد عامل بخارى وخراسان إلى المامون ، فيما كان موظفا عليه من المال والرقيق والبراذين وغير ذلك في كل سنة ، وذلك في سنة مائتين .
وسالت آبا العباس أحمد بن محمد الكوفي () ، وكان خبيرا بأم
صفحة غير معروفة
الاتراك ، عارفا بأحوالهم ، عن أحمد بن طولون وقلت له : إن الناس في أمره فريقان أحدهما يقول إنه أحمد بن طولون وإن يلبخا كانزوج امه قاسم ، والاخر يقول إنه أحمد بن طولون وإن يلبخا ابن قاسم جارية طولون ، فأكذب ذلك وضحك منه وقال لي : يلبخ هذا تري سبي مع طولون ، وكان خفيف الروح يغني بالتركية مستحلى الكلام ، فلما مات طولون آلزمه الوفاء له القيام بامر ولده اوالحافظة عليه ، فكان يركب معه حتى يوصله إلى المواضع التي لم يكن احمديصل إليها لحداثة سنه ، وصغره عن ذلك ، وكان كل من يراه معه يقول له: هذا اينك * فيقول : نعم ، هو ابني وابن سيدي رحمه الله وتوفي يلبخ بعد وفاة طولون بعشر سنين ، ولم يخلف إلا طفلة فكان أحمد بن طولون يجزي على أمها وعليها ما يسعهما من الرزق حتى ماتتا وقال لي : ومما يدل على صحة ذلك أن الموفق لما لعنأحمدبن طولون اسنده إلى طولون ولم يسنده إلى يلبخ ، ولو كان ابن يلبخ لما زوجه يا رجوخ ابنته ، لان يلبخا كان عندهم مغنيا ، وطولون معروف بالستر والصيانة فنشأ أحمد بن ظولون نشوئا جميلا غير نشوء أولاد العجم، من بعد الهمة ، وحسن الدين ، والذهاب بنفسه عما كانت تسف إليه
صفحة غير معروفة
طبقته،وطلب الحديث وأحب العرمف(1)،وخرج إلى طر سوس مرات ولقي شيوخ المحدثين ، وسمع منهم ، وكتب العلم .وحصل لهمن ذلك قطعة كبيرة والف بطرسوس جماعةمن الزهاد ، وأهل الدين والورع ، فأدبوه يا دابهم ، فحسنت طريقته "وظهر فضلة ، فتمكن لهفي قلوب الاولياء ما ارتفع به على طبقته ، وبان فضله على وجوه الاتراك ، وصار محله عندهم محل من يوتق به على الاموال والاسرار والفروج ، ومثل هذا عند العجم محله عظيم في نفوسهم ، لو تصنع يه متصنع ، فكيف من ت64 مبتدىء غير متصنع . فخطب إلى يارجوخ ابنته فزوجه ، وكانت أم ابنبه العباس [وابنته] فاطمة (2) فلما كان في نفسه من محبة الخير ورغبته فيه ، سأل الوزير (2)
صفحة غير معروفة
أن يكتب له برزقه إلى الثغر (1)، وعرفه رغبته في المقام به ، فاجابه الوزير عبيد الله بن يحيى إلى ذلك وكتب له به ، وخرج فاقام بطرسوس مدة ، وشق على أمه مفارقته لها ، فكاتبته بما اقلقه . فلما قنل الناس إلى سر من رأى (2) ، قفل معهم بسبب أمه ، وكان جملة القافلين نحوا من خمسمائة رجل ، والخليفة يومئذ المستعين ابالله وكان قد الفق أن المستعين بالله استحسن شيئا يعمل ببلاد الروم من بزيون () وكراسي حديد منقوشة باحسن نقش ، يجري فيها الذهب ، وأشياء يضن بها الملك آن تخرج إلى أرض العرب ، فا نفذ خادما من خدمه يتكلم بالرومية إلى ملك الروم ، برسالة جعلها سببا لما يريده ، وأمر الخادم أن يتلطف في ابتياع ماتهيا له مما قدمنا ذكره وقدر عليه ،وخرج الخادم ووصل إلى ملك الروم وآدى الرسالة فأنزل في دار فرشت له ، وبلغ في إ كرامه كل مبلغ ، وجعل يلتمس شراء كل ما يمكنه بضعف تمنه المبيع منه ، فاشترى ما حصل له منه وقر بغل ، لم يمكنه كثر منه.
صفحة غير معروفة
افاجاب ملك الروم المستعين عن رسالته ، وحمل إليه هدايا حسانا وخلص الخادم ذلك البغل المحمل ذلك المتاع بالحيلة ، على محله من أمير المؤمنين في حمله ماحمل معه، وخرجحتى حصل بطرسوس(1 ، وخرج مع القافلين ، وفيهم أحمد بن طولون ومن رسم الغزاة ان يسيروا متفرقين مثل العقبان ، فنظرت الأعراب شيئا من سوادهم (2) في بعض المواضع فأخذوه ، ووقعت الصيحة ، وجاء النذير إلى الطائفة التي فيها أحمد بن طولون فكان آول من انتدب ، وحض على القتال ، والذهاب خلف الاعراب إلى حيث قصدوا ، وسار يريدهم، فلمارآه الباقون اتبعوه فكان آول من لحق بالاعراب ، ووضع فيهم السيف ، ورمى بنفسه عليهم ، وحذفهم بالنشاب ، وكان حسن الرمي لا يخطي شيئا ، فخلى الاعراب عن جميع ما أخذوه ، ونجوا بأنفسهم على خيولهم
صفحة غير معروفة
38 وكان فيما أخذه الاعراب البغل المحما ذلك المتاع الذي لم يوصل إليه إلا بالحيلة ، وكانت نفس الخادم قد كادت آن تخرج لذلك خوفا على فوت ما أمله من جائزة آمير المومنين ، ولما لحقه من التعب والمخاطرة قبل ان وصل إليه ، ولما سلم سكنروعه ، ورجع إليه عقله ، بعد أن كاد يزول.
وعظم أحمد بن طولون في عينه وقلبه ، وصار له كالعبد ، وكبرفي قلوب أهل القافلة ، فلما وصلوا إلى العراق أحضر الخادم ذلك المتاع إلى المستعين ، فاستحسنه وسر به كل السرور ، فذكر له الخادم اما عاناه في أمره قبل الوصول إليه ، وقال له : وآعظم ما جرى يا مولاي أنه لما حصل وسلم إلى طرسوس ، وقفلت مع الناس ، خرج علينا الأعراب فأخذوه ، فلولا أن الله جل اسمه من علي بغلام من غلمان مولاي أمير الموثمنين يعرف بأحمد بن طولون ، فانه آول من انتدب وخرج إليهم ، وحصله وجميع ما آخذوه ، لقتلت نفسي اسفا عل فهاته فازداد به المستعين سرورا ، وأمر في الوقت لاحمد بن طولون بألف دينار ، وقال للخادم : إمض أنت بها إليه سرءا ، وأقرئه مني السلام ، وقل له عني: لو لا خوفي من أن يعلم محله من قلبي فيحسد ويقتل الغته أفضل مراتب أمثاله ، وإذا هو دخل إلي في المسلمين آرنيه
صفحة غير معروفة
فاوصل إليه الخادم المال "وعرفه الرسالة ، فحمد اللهعزوجل على ذلك فلما كان يوم السلام ، ودخل مع الاولياء ، غمز الخادم المستعين عليه حتى رآه ، فاشار إليه المستعين بالسلام . ولم يزل يفعل ذلككلما دخل إليه في المسلمين "ويوجه إليه بالصلة الوافرة في كل وقت دفعة بعد دفعة ، حتى حسذت حاله بذلك ، ووهب له جارية اسمها مياس فولدت له أبا الجيش في النصف من المحرم سنة خمسين ومايتين ولما كان من أمر المستعين ما كان من تنكير الأتراك عليه ل واستقر الامر بعد ذلك على أن يصير المعتز على الخلافة ، وينفي المستعين إلى واسط ، مع رجل يختار له ، يوتق بدينه وأمانته وترضى به الاتراك ، ويأمنه على نفسه ، وقع اختيارهم علم أحمد بن طولون ، فسلم إليه ومضى به إلى واسط ، وأحسن عشرة المستعين وشكر له ذلك الجميل في أمره ، فأطلق له التنزه والصيد . وكره أحمد بن طولون أن يلحقه منه احتشام ، فالزمه أحمد بن محمد الواسطي كاتبه ، وكان يومئذ غلاما جريئا ، حسن الشاهد ، حاضر النادرة
صفحة غير معروفة
فلما تمت البيعة للمعتز ، وخلع المستعين ، أنفذ إليه أهله وولده فأقام بواسط مدة ، واجتمع غلمان المتوكل ، وقالوا نخاف من كيد يلحق المعتز من المستعين ، فصاروا إلى قبيحة أمه ، فعرفوها ذلك وخوفوها منه ، وقوي الخوف في نفسها فاضطربت له ، فعزمت على قتله، فحضرالأولياء وتشاوروا في ذلك فأشاروا به ، فكتبت قبيحة أم المعتز إلى آحمد بن طولون : " إذا قرآت كتابي فجئني برأس المستعين ، وقد قلدتك واسط" . فلما وصل الكتاب إليه اغتم غما عظيما ، وكتب إليها يقول :""والله لا يراني الله عز وجل أقتل خليفة له في رقبتي بيعة وأيمان مغلظة أبدا ".
فلما ورد كتابه بذلك زاد به في قلوب الأتراك محلا كبير ووسموه بحسن التوقف وجميل المذهب ، وأحسن أحمد بن طولون في ذلك وأجمل رحمه الله . كما أمر الحجاج بن يوسف رجلا من التابعين بقتل رجل اتهم بما آراد قتله بسببه فامتنع وقال على سلطان آخر من قريش معاذ الله من جهل وطيش ما فضلى هناك على قميش ولست بقاتل رجلا يصلي له سلطانه وعلاي إذا طاوعته وعصيت ربي وكان قميش هذا رجلا خليعا ماجنا ماردا
صفحة غير معروفة
و كتبوا إليه ليسلم المستعين إليه، وينصرف عنواسط إلىسرمنرأىل ففعل ذلك وآحمد الناس كلهم فعل أحمد بن طولون ، وشكره عليه الخاص والعام حدث آحمد بن عحمد الواسطي قال : وكنت مع المستعين بالله على الرسم، فرأينا غبرة خيلقد أقبلت، فأنفذ غلاما له يركض ليعرف له خبرها ، فعاد وقال : هو سعيد الحاجب ، فاصفر لونه ووجم(1 فقال لي : يا آبا عبد الله آنا استودعك الله ، هذا جزار بني هاشم قد جاءني ، فحرت وجزعت ، وعدنا جميعا ووافى سعيد في أثرنا ، فأوصل إلى أحمد بن طولون الكتاب فاحضر قاضي واسطو الشهود، فاشهدهم على تسليمه إياه سليما ، فتسلمه وأخرجه من وقته إلى الصحراء ، وضرب له خيمة فأدخله إليها، فأقام سويعة وخروج، وألقى الخيمة عليه، وركب من وقته دابته وسار راجعا فلما بعد أتينا الخيمة فرفعناها ، وأحمد بن طولون معي ، فاذا فاقبل أحمد بن طولون يبكي وينتحب عليه ، كما تبكي الثكلى ، وأنا معه كح كذلك ، لما وردعلى قلبه منه ، ولم يزل قائما على رجليه حتى غسل و كفن وصلينا عليه وواريناه ، ورحل إلى سر من رأى
صفحة غير معروفة
ووافق دخوله سرمنرأي نقليد باكباك مصر ، والتماسه من يخلفه فقيل له أحمد بن طولون : الثقة الا مين ، الحبر ، الدين ، الخير، فقلده خلافته وضم إليه الجيش وحل إلى مصر فدخلها يوم الاربعاء لسبع بقين من شهر رمضان سنة أربع وخمسين ومائتين ، مقلدا للقصبة دون غيرها ، من الاعمال الخارجة عنها مثل الايسكندرية وغيرها ، ودخل معه أحمد بن محمد الواسطي ، وكان خليطا به جدها ، وأبو يوسف يعقوب بن إسحق كان الوزير قد قرنه به .
فحدتني شيخ من شيوخنا قال : جلست في بعض الدكاكين الشارعة. مع الناس ، لننظر دخول أحمد بن طولون البلد وترتيبه وكان معي في الدكان رجل مكفوف يعرف بأبي قبيل (1) صاحب الملاحم ، فسأله رجل كان معنا عما يجده في كتبهم ، فقال نهذا رجل نجد صفته كذا وكذا ، ويتقلد البلد هو وولده قريبا من آربعينسنة فما تم كلامه حتى أقبل أحمد بن طولون ، فكانت صفته كما وصففي اصورته وشمائله، لم يغادر منها شيئا . وكانت مدة الطولونية ثماني وثلاثين سنة .
صفحة غير معروفة
ودخل أحمد بن طولون مصر، وكان على خراجهاأحمدبن محمد بن مدبر وكان مندهاة الناس، وشياطين الكتاب والعمال الأجلاد، فحسبك أنه ابتدع بمصر بدعاصا رت سننا إلى اليوم لاننقض. ولقد حرصأبوالحسن علي بن عيسى بن الجراح عنددخوله مصر أن ينقض شيئامنها فما تهيأ له سع (1 على صناعته ودهائه بين الوزراء الذين كان هوباركهم1) فمما ابتدعه بمصرة النطرون،وكان مباح الجميع الناس بمصر، فصير لهم ديوانا مفردا ، وعاملا جلدا ، يحظر على الناس آن يبيعوه أويشتروه إلا من جهته . والمراعي، وهي الكلا المباح المطلق التي أنبتها الله عزوجل لعباده ترعاها بهائمهم اوالصايد ، وهي ما أطعم الله جل اسمه من صيد البحر فلما احتشم ابن مدبر من ذكر المصايد ، وشناعة القول فيها ، أمر بان يكتب في الديوان : خراج مضارب الاوتاد ، ومفارش الشباك وغير ذلك بمصر . وله بالشامات. أمثال هذا فحين دخل أحمد بن طولون أهدى إليه ابن مدبر هدايا حسنة ، دهاء ابن طولون قيمتها عشرة آلاف دينار . وكان ابن مدير خرج لتلقيه عند دخوله، ومعه شقير الخادم .. وكان صاحب البريد يومئذ بمصر ، وهو
صفحة غير معروفة
غلام قبيحة أم المعتز المعروف بابي صحبة ، فلما تلقياه وسلما عليه بش بهما وأحسن مخاطبتهما وظر بين يدي أحمد بن مدبر مئة غلام من مولدي الغور قد انتخبهم ، وجعلهم عدة وجمالا ، وكان لهم خلق حسن ، وطول أجسام ، وباس يعرفون بهشديد ، وعليهم الخفاتين : والاقبية والمناطق الثقال العراض ، وبأ يديهم مقارع تامة غلاظ ، على كل طرف من أطرافها فضة مقمعة بها ، وكانوا يقفون في حافتي مجلس ابن مدبر إذا جلس ، وإذا ركب كانوا بين يديه ، فكانت له بهم هيبة عظيمة في صدور الناس إذا رأوهم ف لما أهدى إلى أحمد بن طولون الهدية التي قدمنا ذكرها ردها ولم يقبلها ، فقال ابن مدبر:( إن هذه لهمة عظيمة ، ومن كانتهذه همته
صفحة غير معروفة
فغير مأمون على طرف من الأطراف، وكان في ابن مدبر دهاء عظيم وروياء كبير ، فخافه (1) وكره مقامه معه في البلد ، فاجتمع مع شقير صاحب البريد ، على أن يكتب فيه إلى أمير المؤمنين بما يقدران فلما كان بعد أيام كتب أحمد بن طولون إلى ابن مدبر : "قدكنت أعزك الله، أهديت لناهدية وقع الاستغناء عنهاء فلم نجز تغنم(2) مالك كثيره الله ، فرددناها توفيرا عليك ، وأحب أن تجعل العوض منها الغلمان الذين رأيتهم بين يديك ، فأنا إليهم أحوج منك ." فقال ابن مدبر : هذه اخرى آعظم مما نقدم قد ظهرتمن هذا الرجل كيف آمنه إذا كان يردالا عراض والاموال،ويستهدي الرجال ويستمأتر عليهم ، ولم يجد ابن مدبر بدا من أن يبعتهم إليه ، فتحولت هيبته إليه ، ونقصت هيبته هو بمفارقتهم مجلسه ، وزال جماهم له بين يديه فير كوبه ،وكتب بخبره إلى الحضرة .ونى الخبر إلى أحمد بنطولون فاسره في نفسه ولم يبده ، فاقام أحمد بن طولون أيام المعتز ، فلمامات وجلس المهتدي بالله ، كان في نفسه على باكباك ما بعثه على قتله إياه ورد جميع ما كان لهوفي يده إلى يارجوخ التركي . وكان بين يارجوخ وبين أحمد بن طولون أجمل مما كان بينه وبين صاحبه باكباك لما قدمنا ذكره من تزويجه ابنته من زوجته التي كان المتوكل أزوجه
صفحة غير معروفة
إياها ، وكانت من جواريه ، وكان لهامحل وجلالة خطر ، فكان يا رجوخ من أ كبر معدد أحمد بن طولون فلما لما حصلت مصر ليارجوخ ، في جملة ما حصل له من أموربا كباك كتب إلى أحمد بن طولون يعرفه ما جرى ويقول : تسلم من نفسك لنفسك . وزاده جميع الأعمال الخارجة كانتعن مصر . وكتب إلى إسحق بن دينار (1) ، وهو متقلد الايسكندرية بتسليمها إلى أحمدبن طولون ، وعظمت منزلته ، ووردعلى ابن مدبر مازاد في قلقه وغمه يت ابن طولون ودعثه الضرورة والخوف منه إلى ملاطفته ، والتقرب من قلبهااب موسى بنكان موسى أخو أحمد بن كان موسى أخو أحمد بن طولون رجلا فيه خير، فلما حصلت الايسكندرية لأخيه ، وهي بلد ثغر، أحب المقام بها ، فسال يعقوب أبا يوسف الكاتب ، الذي كان ضمه الوزير إلى أحمد بن طولون عند رحيله إلى مصر أن يسأل أخاه في نقليده إياها ، وكانت بينه وبينه مودة ، فقال له : ابتدىء أنت بالقول ، وأنا أكفيك إذا خلوت به فخاظب أخاه على مضض منه ، لآنه كان لما قدما البلد آمر فيه ونهى
صفحة غير معروفة
كما يفعل الاخ الشقيق [مع الشقيق] فثقل ذلك على أخيه ، حتى إنه قصد قوما كان أخوه يعتني بهم بالأذية وأ مسك موسى عما كان يعملة ويحمل مسالته ، فيخرج من البل ولا يكون معه فيه لما بينته . فلما سأله رد عليه ردا ضعيفا فأغضبه وذلك ، فقال له : تالله لقد ايست منك ومن مرتبة أنالها بك في الدنيا وإنما طلبت هذا البلد لانه ثغر من الثغور ، اخترت المقام فيه والتعبد فوعده بتقليده إياه وكان آحمد بن طولون يتوقع من يارجوخ إنفاذه إليه الكتب بو لاية الثغور الشامية ، وقد رشح اخاه موسى لتقليده إياه طرسوس فإنها آجلمما طلب منه ، وأسرذلك إلى أن ترد الكتب به عليه ل واراد احمد بن طولون بولاية أخيه طرسوس إحياء ذكره بالثغر لانه كان أغلب البلدان على قلبه محبة ، وآثرها عنده وعزم أحمد بن طولون على الخروج إلى الايسكندرية لمشاهدتها وتسلمها ، فسال موسى أبا يوسف الكاتب معاودة أخيه في أمرهاله حسب ما وعده ، فخاطبه في ذلك فوعده أيضاء وخرج أحمدبن طولون اليها مرابطا فرحا بما حصل له منها ، لمحبته النثغور لاغير ، وكان ذلك سنة ست وخمسين وماعتين
صفحة غير معروفة
فحدث الواسطي أحمد بن محمد كاتبه عنه آنه قال لما وردت عليه الكتب برد الأعمال الخارجة إليه : الحمد لله كثيرا، وقال : تركنا الله عزوجل شيئا واحدا ، عوضنا منه آشياء أعظم منه وأجود وأحمد عاقبة . كانت نهاية ما وعدنا به على قتل المستعين بالله تقليد واسط فحفنا الله عز وجل في قتله فلم نقتله ، فعو ضناجل اسمه مصر وغيرها لما قرب من الايسكندرية تلقاه إسحق بن دينار، وقد كان وقفما جرى ، وتوقع صرفه عنها فخرج إليهحتى لقيه بابعد المواضع فلما رآه ترجل له ، وأعطاه بحق الرياسة عليه ، فا حشم ذلك منه أحمد بن طولون وكان حيياء رقيق الوجه ، فاستحيا منه أن يصرفه عن البلد فاقره عليه وجعل موسى يترقب من آخيه إنجاز وعده له ، فلما طال ذلك سال أبا يوسف أيضا المسألة ، وقال له أبو يوسف: أيد اللهالأمير ، أخوك متظر لوعدك ، فقال له : ويحك قد كان ما وعدت به ، وتالله إي لامل له ما هو أجلة منه ، وقد ترى ما صنعه هذا الرجل معنا من الجميل ، على محله آيضا في نفسه ، ولا والله ما يحملني وجهي اصرفه عن عمله ، فتلطف لي في أن تصرفرأي أخي عن هذا الامر ، وقل لهإن أخاك يرشحك إلى ماهو أجل من هذه المدينة ، واحذر آن تطلعه على شيء مما ذكرته لك من أمر اين دينار . فلما سأله موسى عن الجواب
صفحة غير معروفة
عرفه آن أخاه يرشحه اا هو أجل مما طلبه ، فلم يثنه ذلك وقال : ما أريد سوى هذه المدينة ، وهي أحب إلي من كل ناحية جليلة ،فلما راه ابو يوسف لا ينتهي عنها كشف له الخبر ، لماكان بينه وبينه من المودة ، ولا نهما كانا يجتمعان على التعجب من مصادر أمور أحمد بن طولون ومواردها ، وآن الحظ قد عمل لهمالم يقدمره ، حتى إنم قد حسن قبيحه ، واصلح رديته فاغتاظ موسى مما حكاه له أبو يوسف ، وصار إلى أخيه وقال له: نخلت علي بما لا مشقه عليك فيه ، وخاطبه بدالة الاخوة ، بكلام فيه غلظ ، بجضرة الناس ، إلى أن قال له : ما أحسبك تخرج من الدنيا سالما ، لقطعك لرحمك، وسوء نيتك ، وتفضيلك غلمانك ،ومن تختاره بسوء رايك على اقرب الناس منك ، فلعن الله جوارك وأراحني منه فامر به فبطح وضربه بيده مقارع يسيرة . فعاتب الناس موسى على ما خاطببه أخاه وقالوا له : ليس أخوك اليوم هو الذي تعهده وتعرفه فوفه حق الرياسة، واطرح دالة الآخوة ، فلم يقبل ، وكان فيه لجاج وكبر بر نفس ، فراسله في ان يكتب له جوازا ليخرج عن البلد، فتغنم ذلك احمد بن طولون منه ليريح قلبه منه ، ومن دالته عليه ، فكتب له الجواز وآمر له بمال كثير فلم يقبله ، وخرج غضبان إلى طرسوس ، فقبض احمد بن طولون على ابي يوسفو قال له: أظهرتلأخيما أمرتك
صفحة غير معروفة
بستره عنه ، فاوحشت بذلك ما بيني وبينه ، وآنفذه من السكندرية إلى المطبق بمصر: وكان أحمد بن عيسى بن شيخ الشيباني يتقلد جندي فلسطين والأردن فلما مات توتب ابن شيخ عليهما ، وقال : هي من عملي وحمل أحمد بن مدبر مالا إلى السلطان من مصر، مبلغه سبعمائة وخمسون ألف دينار ، فقبض أيضا عليه بنشيخ وقال : إنا نحتاج إليه للرجال فرقه في أصحابه. وبلغه اضطراب الامور بالحضرة فقويت شو كته ل فجمع الجموع، وقوي طمعه في التغلب على الشامات باسرها ، وشيع الناس ، لما رأوا من قوة أمره ، أنهعلى أن يتغلب ايضا على مصر ، وانه محمد في ذلك .
فأنفذ المهتدي بالله حسين الخادم المعروف بعرق الموت. ومعه الكريزي وأبونصر المروزي الفقيهان، ومعهما عهد على أنه إنرد ابن شيخ المال الذي أخذه ، وحمل ما وجب عليه عما كان يتقلده وانصرف عن الشامات ، سلما العهد إليه وانصرفا عنه ، فاين لم يفعل لم يسلما العهد إليه ، وكاتبا بخبره ، ليدير امره بما يجب
صفحة غير معروفة