298

قال الراوي: لما علم أمير المؤمنين بما كان من أهل يناعة من الفساد والميل إلى الغز ومن يقول بقولهم من الأمراء الحمزيين ودخول عسكرهم وادي الصيد وما أحدثوا من قتل وخراب غضب أمير المؤمنين عليه السلام لذلك، ونهض من صنعاء لما علم أن أسد الدين قد أقبل إلى جهات صنعاء لما استغاثوا به وخافوا على صنعاء من الإمام، فلما أقبل أسد الدين جرى بينه وبين الإمام هدنة فنهض أمير المؤمنين في شهر [.....بياض في المخطوط.......] سنة إحدى [100ب-أ]وخمسين وستمائة سنة في عساكره، وقد اجتمع معه بنو شهاب وبنو الراعي وغيرهم من قبائل تلك النواحي ومن خدام الحصون، فحط في أعلى البون، ثم نهض فحط في موضع يسمى ريدة، ثم أقبل إليهم المخاطبون من المشائخ أهل يناعة يبذلون من نفوسهم الرجوع والرهائن والدخول فيما يرضيه، فلم ير عليه السلام إلا خراب يناعة لما جرى من أهلها من الفساد، فأمر أمير المؤمنين بخراب درب المشائخ عيال سعيد بن سبر في مقابلة خراب درب أصحابهم عيال عبدالله لكونهم أنصارا له، ثم خرب أكثر قرية يناعة إلا دورا رأى تركها، ثم إن الشيخ موسى بن علي وبني عمه رأوا أن لا طاقة لهم بحرب الإمام فرهن ولده وولد ابن أخيه إلى حصن الإمام بذروة، وأمر الإمام بقطع سوق يناعة ورحل المشائخ أهل يناعة فحلوا في ذيبين وصارت يناعة خلا من أهلها، ونهض أمير المؤمنين في عساكر وقد اجتمعت معه هنالك قبائل الظاهر فكانت طريقه على نقيل محاصر فحط في دماج ثافت، ثم نهض إلى حوث وقد كان الأمير شمس الدين وبنو عمه لما علموا بإقبال الإمام في الجهات الصنعانية وكانت محطتهم في طلع غفر بظاهر بني صريم نهضوا الجوف، فلما استقر أمير المؤمنين بحوث لم يلبث أن نهض لطرد القوم من الجوف، وكان ذلك من عشر ذي الحجة الحرام سنة إحدى وخمسين وستمائة سنة فاتفقت أيام العيد وهو حاط في المراشي فأقبلت إليه قبائل دهمة بالطعام والحنطة والغنم الكثيرة والدارهم ما أعم به العسكر لما يحتاجون إليه للعيد، ثم نهض عليه السلام إلى الزاهر فاجتمعت إليه قبائل الجوف إلا من كان من القوم واجتمع مخلف الإمام من آل عزان وأهل السوق وغيرهم والشرفاء والأمراء آل أحمد بن جعفر ببراقش، وأقبل راشد بن أحمد بن راشد الجبني، ومنصور بن ضيغم فيمن قال بقولهما من آل جحاف ومعهم الأمير شمس الدين ومن يقول بقوله، وحطوا في أسفل الجوف في موضع يسمى سراقة، وأقبل أمير المؤمنين عليه السلام وقد اجتمع معه ثلاثمائة فارس، فأما الرجل فألوف، واجتمع من فرسان بني حمزة والغز وجنب وآل جحاف إلى قريب من ثلاثمائة فارس أيضا ومن الرجل ما لا يكاد ينحصر، وتقالبت العسكران ونصبت العتاب والهوادج علامات للبدو عند الحرب ولم يبق إلا المناجزة، فلما علم القوم أنه لا طاقة لهم بمقاتلة الإمام توسط قوم من الأمراء الحمزيين الذين كانوا في جهة الإمام خوفا على أصحابهم، ووصل الأمير عز الدين محمد بن أحمد بن أمير المؤمنين من جهة أبيه الأمير الكبير شمس الدين ولم يبرح كبار الناس بأمير المؤمنين يستعطفونه ويتوسلون إليه باللتيا والتي حتى وهب لهم ذمة على أنهم يرتحلون، ثم أقبلت عند ذلك الشاوق الذين كانوا معهم إلى الإمام، فلما دخل الليل ارتحل الأمراء الحمزيون وجميع من في محطتهم من جنب وآل جحاف وطعنوا [101أ-أ] في الخبت وركبوا متن القفر، فلما علم أمير المؤمنين بهروبهم لم ير إلا الرجوع إلى الجوف فاستقرت محطته بالزاهر.

ومما قيل في ذلك في تلك الأيام من الشعر ما قاله الفقيه العلامة اللسان القاسم بن أحمد الشاكري الهمداني:

حبابنا إن الهوى لجديد

وأين ربا صنعاء وهي محلتي

وكم رمت لقياكم وقد حال بيننا

ورورا تعواها القطاليل ورده

ولم ينسني شخطى ورامي نارحا

ولم أنسها يوم النوى ودموعها

وعيصت من عيني أكفكف دموعها

وقد جعلت بسر أيديها على يدي

وأدنيتها شما وضما فضاعفت لها عقدات الرمل ردف وملدها

صفحة ٣١٢