أخبرني أن شخصا أعطاه سبعمائة مثقال ذهبا عينا أو نحو ذلك، ولقد كان ينزع الرداء فيعطيه وهو إليه محتاج، وينزع العمامة فيعطيها، ويعطي الفرس الذي يركبه وهو إليه محتاج، ولقد كان يؤثر على نفسه وأولاده وأوليائه، ولقد كانت مناقبه في الفضل والكرم متضوعة كتضوع المسك الأذفر، وشرفه كإشراق القمر الأنور، الشبيهة بقول القائل:
أيا شجر الخابور مالك مورقا .... كأنك لم تجزع إلى ابن طريف
فتى لا يحب الزاد إلا من التقى .... ولا المال إلا من قنا وسيوف
وكم ذا يتعاطى الواصف أو يضبط العارف من مناقب تعلو السماك الأعزل سموا، وتجر ذيلها على المجرة تيها وعلوا.
إذا ما يراه الرجال تحفظوا .... فلا تنطق العوراء وهو قريب
حبيب إلى الزوار غشيان بيته .... جميل المحيا شب وهو أديب
أو كما قال دعبل:
فتى لا يرى المال إلا العطاء ... ولا الكبر إلا اعتقاد المنن
ولو أن مناقبه عليه السلام كتبت بالمسك والعنبر، وجعل ورق سيرته من العقيان الأحمر لكان جديرا بذلك، وكيف سيعظم ذلك في من مدحه لسان الدهر، وعجز عن وصفه جميع أبناء العصر، وما عسى أن يقول القائل فيمن شهد بكرمه الأعداء، وتنطق بمناقبه الدهماء، وما يقال أيقال للفلك: ما علاك وللطود ما رساك، وكيف يشكر وجه الشمس على ضياء صاحبته، والغيث على سماحته، أليس من البعيد أن يتحدث الواصفون في مناقبه كالنجوم الثواقب، هرم على معرفتها الكبير، وشب الصغير، وأبصرها الأعمى بلا عين، وسمعها الأصم بلا أذن، ولله القائل:
لو درى الدهر أنه من بنيه ... لازدرى قدر سائر الأولاد
صفحة ٢٢