نشأ في حجر أبويه سنينا قريبة، واختار الله لوالده رضي الله عنه ما هو أصلح من الانتقال إلى دار رحمته وهو ابن سبع سنين بعد أن كان قد أكمل كتاب الله تعالى، ثم كفله عمه السيد الشريف الزاهد الطاهر سليمان بن أحمد بن القاسم، وكان رحمه الله[4أ-أ] أحد الزهاد في زمانه، رفض كثيرا من ملاذ الدنيا من مناكحها وملابسها، ولازم الزهد والعزلة عن الناس، فعني في تعليمه وتهذيبه وتأديبه، وكان عليه السلام ممن شهدت له الفراسة رضيعا أن لا يكون وضيعا، وحكمت له الشمائل غلاما أن يكون قرما هماما، تخيل فيه مخائل الإمامة، وتلوح على غرته أنوار الزعامة، وكان ابتداؤه بالقرآن الكريم وهو ابن خمس سنين أو يزيد قليلا، ولقد روى لنا عن نفسه عليه السلام من عجيب الفطنة وروى غيره من الثقات ممن كانوا يشاهدونه من توقد فطنته وألمعيته ما لم تجر العادة بمثله فيمن هو في سنه، ولم يزل في دراسة القرآن العظيم وتلاوته، والتعليم في غيره لمن يصلح لما هو في سنه من الشعر، وما يجري مجراه من الأراجيز والحكم حتى بلغ اثنتى عشرة سنة أو يزيد قليلا، ونقله عمه الطاهر من الهجرة المباركة إلى مدرسة (مسلت) ببلد قيس من ظاهر همدان، وكانت المدرسة في ذلك الآوان نظام عقد العلم، وقبلة أهل الإسلام والفضل، كان سكنها في ذلك العصر الفقيه الإمام الألمعي ترجمان المتكلمين عمدة المجتهدين والمتهجدين حميد بن أحمد المحلي بن محمد بن أحمد بن عبد الواحد بن عبد الرزاق بن إبراهيم بن أبي القاسم بن علي المحلي الصنعاني رحمة الله عليه، وكان يسكن حينا في الشاهل غربي بلد بني شاور السود، والفقيه العالم الفاضل الحافظ المحدث الكامل ترجمان القرآن جمال الدين عمران بن الحسن بن ناصر، وأخوه الفقيه العالم شرف الدين أسعد بن الحسن بن ناصر، والفقيه العلامة اللسان المنطيق نظام الدين القاسم بن أحمد الشاكري، والفقيه الزاهد الورع قدوة الزهاد فخر الدين أحمد بن عريق بن عواض الشاكري، والفقيه العالم الأديب سابق الدين محمد بن علي بن أحمد بن نعيش الصنعاني، والفقيه العلامة شرف الدين الحسن بن البقا التهامي القيسي، والفقيه الطاهر العالم سعيد بن حنظلة، وغبر هؤلاء من عيون أهل الدين المتمسكين بالعلم، فاختص به ليلا ونهارا الفقيه الزاهد المطهر فخر الدين أحمد بن عزيق فكان سميره وقرينه، والمتولي لتهذيبه وتأديبه، وتعليمه طرائف الآداب والطهارة حتى لقد كان الناظر يعجب من آدابه وطهارته مع صغر سنه، ثم ابتدأ بعد ذلك من الفنون بعد معرفته لأبواب في الطهارات، ونكت في العبادات، وجمل من أصول الشرعيات بالتوحيد، فكانت قراءته أولا على الفقيه العلامة اللوذعي قاسم بن أحمد الشاكري؛ إذ كان في ذلك الفن خليجا تطمو مدوده، فقرأ عليه مختصرا مفيدا، ثم قرأ كتاب (الخلاصة النافعة) بشرح واسع، ثم قرأ (المؤثرات) للشيخ الإمام حسام الدين الحسن بن محمد الرصاص، كل ذلك يضبطه غيبا، ثم قرأ شرح (الإيضاح) الذي وضعه الفقيه الإمام حسام الدين بن أحمد، كل هذه الكتب يضبطها غيبا ويعقل معانيها، وتعجب العلماء من حسن بهجته وبراعته، ثم قرأ مذاكرة عقودا على كتاب (التحصيل) للشيخ الإمام الحسن بن محمد الرصاص، وكانت هذه المذاكرة من العجائب، أخذت معانيها من كتاب المحيط [4ب-أ] بالتكليف لقاضي القضاة عبد الجبار بن أحمد، ثم من كتاب (الإكليل شرح معاني التحصيل) للفقيه العلامة الحسن بن مسلم التهامي، ثم من كتاب (التبيان بشرح ياقوتة الإيمان) للحسن الرصاص، ثم من (خلافية أبي رشيد) وغيره، هذه الكتب المعينة.
صفحة ١٣