هلاك الدين، وإما الميل مع الرعية على الوالي وهو هلاك الدنيا، فلا حيلة لك إلا الموت أو الهرب منه. وقالوا: الملك العادل كالنهر الصافي، ينتفع به الأخيار والأشرار ولا يضر أحدًا، والملك السوء مثل الجيفة، يسرع إليها شرار الحيوان ويتحاماها خيار الناس.
الباب الثامن عشر: في منزلة السلطان من القرآن
روي أن النبي ﷺ قال: إن الله تعالى ليزع بالسلطان مالًا يزع بالقرآن؛ معناه يدفع. وقال كعب: مثل الإسلام والسلطان والناس مثل الفسطاط والعمود والأطناب والأوتاد، فالفسطاط الإسلام والعمود السلطان، والأطناب والأوتاد الناس، لا يصلح بعضها إلا ببعض. قال أزدشير لابنه: يا بني إن الملك والدين أخوان لا غنى لأحدهما عن الآخر، فالدين أس والملك حارس، ومن لم يكن له أس فمهدوم، ومن لم يكن له حارس فضائع. يا بني اجعل حديثك مع أهل المراتب وعطيتك لأهل الجهاد، وبشرك لأهل الدين وسرك لمن عناه ما عناك، وليكن من أهل العقل. وكان يقال: الدين والسلطان توءمان.
الباب التاسع عشر: في خصال جامعة لأمر السلطان
قالوا: ظفر الملك بعدوه على حسب عدله في رعيته، ونكوبه في حروبه على حسب جوره في عساكره، وإصلاح الرعية أنفع من كثرة الجنود. وقالوا: تاج الملك عفافه وحصنه إنصافه، وسلاحه كفاته وملكه رعيته. وقالت حكماء الهند: لا ظفر مع بغي ولا صحة مع نهيهم، ولا ثناء مع كبر ولا شرف مع سوء أدب، ولا بر مع شح ولا اجتناب محرم مع حرص، ولا ولاية حكم مع عدم فقه ولا سؤدد مع انتقام، ولا ثبات ملك مع تهاون وجهالة وزارة. ولما ولي أبو بكر ﵁ خطب فقال: أيها الناس إنه لا أحد أقوى عندي من المظلوم حتى آخذ له بحقه، ولا أضعف من الظالم حتى آخذ الحق منه. وقيل للإسكندر: بم نلت ما نلت؟ قال: باستمالة الأعداء والإحسان إلى الأصدقاء.
وقال بزرجمهر: سوسوا أحرار الناس بمحض المودة، والعامة بالرغبة والرهبة، والسفلة بالمخافة. وقال الموبذان: السياسة التي فيها صلاح الملك الرفق بالرعية، وأخذ الحق منهم في غير مشقة، وسد الفروج وأمن السبل، وأن ينصف المظلوم من الظالم ولا يحمل القوي على الضعيف. وقالوا: الوالي من الرعية كالروح من الجسد لا حياة له إلا بها، وكالرأس من الجسد لا بقاء له إلا به، وبعد الوالي من إصلاح الرعية مع إفساد نفسه كبعد الجسد من البقاء بعد ذهاب الرأس. والسلطان خليق أن يعود نفسه الصبر على من خالف رأيه من ذوي النصيحة والتجرع لمرارة قولهم، ولا ينبغي أن يحسد الولاة إلا على حسن التدبير، ولا أن يكذب لأن أحدًا لا يقدر على استكراهه، ولا أن يغضب لأن الغضب والقدرة لقاح الشر والندامة، ولا أن يبخل لأنه أقل الناس خوفًا من الفقر، ولا أن يحقد لأن قدره جل عن المجازاة، ولا ينبغي للوالي أن يستعمل سيفه فيما يكتفى فيه بالسوط، ولا سوطه فيما يكتفى فيه بالحبس، ولا حبسه فيما يكتفى فيه بالجفا والوعيد.
وقال معاوية: إني لا أضع سيفي حيث يكفيني سوطي، ولا سوطي حيث يكفيني لساني، ولو أن بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت، إذا مدوها خليتها وإذا خلوها مددتها. ونحو هذا قول الشعبي: كان معاوية كالجمل الطب، والجمل الطب هو الحاذق بالمشي لا يضع يده إلا حيث تبصر عينه. وينبغي له أن يعلم رعيته أنه لا يصاب خيره إلا بالمعونة له على الخير، ولا ينبغي له أن يدع تفقد لطيف أمور الرعية
1 / 61