بي فأكون فتنة لهم. فقتل ﵀.
وروي أن عمر بن الخطاب ﵁ قال لكعب الأحبار: يا كعب خوفنا! قال: أوليس فيكم كتاب الله وسنة رسول الله ﷺ؟ قال: بلى يا كعب ولكن خوفنا! قال: يا أمير المؤمنين، اعمل عملًا وجل لو وافيت يوم القيامة بعمل سبعين نبيًا لازدريت عملهم مما ترى. فأطرق عمر مليًا ثم أفاق فقال: يا كعب خوفنا! فقال: يا أمير المؤمنين، لو فتح من جهنم قدر منخر ثور بالمشرق ورجل بالمغرب لغلى دماغه حتى يسيل من حرها! فبكى عمر ثم أفاق فقال: يا كعب زدنا. فقال: يا أمير المؤمنين، إن جهنم لتزفر زفرة يوم القيامة، فما يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا خر على ركبتيه حتى يخر إبراهيم خليل الرحمن على ركبتيه يقول: يا رب إني لا أسألك اليوم إلا نفسي إلا محمد ﷺ يقول: يا رب أمتي أمتي لا أسألك غيرها! واستأذن ابن دهمان على بعض الأمراء فحجبه ثم أذن له، فلما دخل قال: إن هذا الأمر الذي صار إليك قد كان في يدي غيرك، فأمسوا والله حديثًا فإن خيرًا فخير وإن شرًا فشر، فتحبب إلى عباد الله بحسن البشر ولين الجانب وتسهيل الحجاب، فإن حب عباد الله موصول بحب الله وبغضهم موصول ببغضه، لأنهم شهداء الله على خلقه.
ولما دخل محمد بن واسع سيد العباد في زمانه على بلال بن أبي بردة أمير البصرة، وكان ثوبه إلى نصف ساقه، قال له بلال: ما هذه الشهرة يا ابن واسع؟ فقال له ابن واسع: أنتم شهرتمونا، هكذا كان لباس من مضى وإنما أنتم طولتم ذيولكم فصارت السنة بينكم بدعة وشهرة.
وأما أنا، فلما دخلت على الأفضل بن أمير الجيوش وهو ملك مصر فقلت: سلام عليكم ورحمة الله، فرد السلام على نحو ما سلمت ردًا جميلًا، وأكرم إكرامًا جزيلًا وأمرني بدخول مجلسه وأمرني بالجلوس فيه. فقلت: أيها الملك، إن الله ﷾ قد أحلك محلًا عاليًا شامخًا وأنزلك منزلًا شريفًا باذخًا، وملكك طائفة من ملكه وأشركك في حكمه، ولم يرض أن يكون أمر أحد فوق أمرك، فلا ترض أن يكون أحدًا أولى بالشكر منك. وإن الله سبحانه قد ألزم الورى طاعتك فلا يكون أحد أطوع لك منك، وليس الشكر باللسان ولكنه بالفعال والإحسان. قال الله تعالى: ﴿اعْمَلُوا آلَ دَاوُدَ شُكْرًا﴾ (سبأ: ١٣) . واعلم أن هذا الذي أصبحت فيه من الملك إنما صار إليك بموت من كان قبلك، وهو خارج عن يديك بمثل ما صار إليك، فاتق الله فيما خولك من هذه الأمة فإن الله سائلك عن النقير والقطمير والفتيل.
قال الله تعالى: ﴿فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ*عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (الحجر٩٣: ٩٢) . وقال الله تعالى: ﴿وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ﴾ (الانبياء: ٤٧) . واعلم أيها الملك أن الله تعالى قد آتى ملك الدنيا بحذافيرها لسليمان بن داود ﵉، فسخر له الإنس والجن والطير والشياطين والوحوش والبهائم، وسخر له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب، ثم رفع عنه حساب ذلك أجمع فقال له: ﴿هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ (صّ: ٣٩) . فوالله ما عدها نعمة كما عددتموها، ولا حسبها كرامة كما حسبتموها، بل خاف أن يكون استدراجًا من الله تعالى ومكرًا به، فقال: ﴿هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ﴾ (النمل: ٤٠) . فافتح الباب وسهل الحجاب وانصر المظلوم، أعانك الله على نصر المظلوم وجعلك كهفًا للملهوف وأمانًا للخائف. ثم أتممت المجلس بأن قلت: قد دورت البلاد شرقًا وغربًا، فما اخترت مملكة تزوجت فيها وولد لي فيها غير هذه المملكة، ثم أنشدت:
والناس أكيس من أن يحمدوا رجلًا
حتى يروا عنده آثار إحسان
وكتب حكيم إلى حكيم: إني سائلك عن ثلاثة أشياء إن أجبت عنها صرت لك تلميذًا: أي الناس
1 / 36