وبينا نسوس الناس والأمر أمرنا
إذا نحن فيهم سوقة ليس ننصف
فتبًا لدنيا لا يدوم نعيمها
تقلب تارات بنا وتصرف!
ثم قالت: يا سعد إنه لم يكن أهل بيت بخير إلا والدهر يعقبهم حسرة حتى يأتي أمر الله على الفريقين! فأكرمها سعد وأمر بردها، فلما أرادت القيام قالت: يا سعد لا أزال الله عنك نعمة ولا جعل لك إلى لئيم حاجة، ولا أزال عن كريم نعمة ولا نزع عن عبد صالح كرامة إلا جعلك سبيلًا إلى ردها عليه! ولبعضهم:
من كان يعلم أن الموت مدركه
والقبر مسكنه والبعث مخرجه
وأنه بين جنات ستبهجه
يوم القيامة أو نار ستنضجه
فكل شيء سوى التقوى به سمج
وما أقام عليه منه أسمجه
ترى الذي اتخذ الدنيا له سكنًا
لم يدر أن المنايا سوف تزعجه
وروي أن عيسى ﵇ كان مع صاحب له يسيحان، فأصابهما الجوع وقد انتهيا إلى قرية، فقال عيسى لصاحبه:
انطلق فاطلب لنا طعامًا من هذه القرية. وقام عيسى ﵇ يصلي، فجاء الرجل بثلاثة أرغفة فأبطأ عليه انصراف عيسى فأكل رغيفًا، فانصرف عيسى فقال: أين الرغيف الثالث؟ فقال: ما كانا إلا رغيفين! قال: فمرا على وجوههما حتى مرا بظباء فدعا عيسى ﵇ ظبيًا منها فذكاه فأكلا منه، ثم قال عيسى ﵇ للظبي: قم بإذن الله، فإذا هو يشتد. فقال الرجل: سبحان الله! فقال عيسى ﵇: بالذي أراك هذه الآية من أكل الرغيف الثالث؟ فقال: ما كانا إلا رغيفين! قال: فمضيا على وجوههما فمرا بنهر عظيم عجاج، فأخذ عيسى ﵇ بيده فمشيا على الماء حتى جاوزا الماء فقال الرجل: سبحان الله! فقال عيسى ﵇: بالذي أراك هذه الآية من أكل الرغيف الثالث؟ فقال: ما كانا إلا رغيفين.
فخرجا حتى أتيا قرية عظيمة خربة، وإذا قريب منها ثلاث لبنات من ذهب، فقال الرجل: هذا مال! فقال عيسى ﵇: أجل هذا مال، واحدة لي وواحدة لك وواحدة لصاحب الرغيف. فقال الرجل: أنا صاحب الرغيف! فقال عيسى: هي لك كلها! ففارقه فأقام عندها ليس معه ما يحملها عليه، فمر به ثلاثة نفر فقتلوه وأخذوا الثلاث لبنات، فقال اثنان منهم لواحد: انطلق إلى القرية فأتنا منها بطعام. فذهب فقال أحد الباقيين للآخر: تعال نقتل هذا إذا جاء ونقتسم هذا بيننا! فقال الآخر: نعم. وقال الذي ذهب: أجعل في الطعام سمًا فأقتلهما وآخذ اللبن! ففعل، فلما جاء قتلاه وأكلا من الطعام الذي جاء به، فماتا. فمر بهم عيسى وهم حولها مطروحون، فقال: هكذا تفعل الدنيا بأهلها! وقال عبد الملك بن عمير: رأيت في هذا القصر عجبًا رأيت رأس الحسين على ثوبين مصبوغين بين يدي ابن زياد، ثم رأيت رأس ابن زياد بين يدي المختار، ثم رأيت رأس المختار بين يدي مصعب بن الزبير، ثم رأيت رأس مصعب بن الزبير بين يدي عبد الملك بن مروان! وقال الأصمعي: لما زخرف الرشيد مجالسه وتحزم فيها وزوقها وصنع فيها صنائع كثيرة، أرسل إلى أبي العتاهية وقال: صف لنا ما نحن فيه من نعيم هذه الدنيا، فقال:
عش ما بدا لك آمنًا
في ظل شاهقة القصور
يسعى إليك بما اشتهي
ت لدى الرواح وفي البكور
وإذا النفوس تقعقعت
في ضيق حشرجة الصدور
1 / 17