وروى أن علي بن أبي طالب ﵁ لما رأى فاطمة ﵂ مسجاة بثوبها، بكى حتى رثي له، ثم قال:
لكل اجتماع من خليلين فرقة وإن الذي دون الفراق قليل
أرى علل الدنيا علي كثيرة وصاحبها حتى الممات عليل
وإن افتقادي واحدًا بعد واحد دليل على أن لا يدوم خليل
وقال ﵁:
ألا أيها الموت الذي ليس تاركي أرحني فقد أفنيت كل خليل!
أراك بصيرًا بالذين أحبهم كأنك تنحو نحوهم بدليل!
قيل: ولما نفض يديه من ترابها تمثل بقول بعض بني ضبة:
أقول وقد فاضت دموعي حسرة:
أرى الأرض تبقى والأخلاء تذهب
أخلاي لو غير الحمام أصابكم عتبت ولكن ما على الموت معتب
وقال العتابي:
قلت للفرقدين والليل ملق سوداء كنافه على الآفاق:
أبقيا ما بقيتما فسيرمى بين شخصيكما بسهم الفراق
غر من الظن أن يفوت المنايا وعراها قلائد الأعناق
كم صفيين متعا باجتماع ثم صارا لغربة وافتراق
لا يدوم البقا للخلق طرًا دام طول البقاء للخلاق!
وأنشدني بعض الأدباء:
أسعداني يا نخلتي حلوان وارثيا لي من ريب هذا الزمان
واعلما إن بقيتما أن شخصًا سوف يأتيكما فتفترقان
فلعمري لو ذقتما ألم الفر قة أبكاكما الذي أبكاني
ولما سافر الرشيد إلى طوس وعك في طريقه من حر أصابه فقال له الطبيب: ما يبريك إلا جمار النخل. وكان نزوله قريبًا من هاتين النخلتين فأمر بقطع جمار إحدى النخلتين، فلما مثل بين يديه أنشده بعض الجلساء هذه الأبيات لبعض الشعراء في هاتين النخلتين، فقال الرشيد: لو سمعتها ما أمرت بقطعها. ولما مات الإسكندر قال أرسطوطاليس: أيها الملك لقد حركتنا بسكونك. وقال بعض الحكماء من أصحابه: كان الملك أمس أنطق منه اليوم، وهو اليوم أوعظ منه أمس؛ نظمه أبو العتاهية فقال:
كفى حزنًا بدفنك ثم إني نفضت تراب قبرك من يديا
وكانت في حياتك لي عظات فأنت اليوم أوعظ منك حيا
ووجد مكتوبًا على قبر: قهرنا من قهرنا فصرنا للناظرين عبرة. وقال عبد الله بن المعتز:
نسير إلى الآجال في كل ساعة وأيامنا تطوى وهن مراحل
ولم أر مثل الموت حقًا فإنه إذا ما تخطته الأماني باطل
وما أقبح التفريط في زمن الصبا! فكيف به والشيب في الرأس شاعل؟
ترحل من الدنيا بزاد من التقى فعمرك أيام تعد قلائل
1 / 14